نهاية الإقدام في علم الكلام
نهاية الإقدام في علم الكلام
اصناف
قال الأستاذ التعرض لمقابلة النعم بالشكر كفر فإنه رأى المقابلة جزاء وكفاء وقط ولا يكافئ نعم الله التي لا تحصى بالشكر فإنه إن أوقع شكره في مقابلة نعمه على أنه يكافيه ليلا يكون تحت منه فهو كفران محض وإن كان على أنه ينفعه كما انتفع به فهو كفران صريح فلا النعمة تقبل المقابلة ولا المعاوضة ولا المنعم يقبل النفع والضر وكيف يحسن الشكر والشكر إنما ينتفع الشاكر إن لو حصل على رضى المشكور وإذنه فإذا لم يعرف رضاه وإذنه إلا بالسمع فلا يحسن الشكر إلى بالشرع ولكن لما تربى الإنسان على مناهج الشرع ورأى أهل الدين يستحسنون الشكر وقرأ آيات تحسين الشكر ظن أن مجرد العقل يقتضي بذلك.
أما الجواب عن مقالة الفلاسفة قولهم أن الوجود قد اشتمل على خير محض وشر محض وخير وشر ممتزجين فهو كلام من لم يتحقق الخير والشر ما هو فما المعنى بالخير أولا فإن الخير يطلق على كل موجود عندكم وعلى هذا الشر يطلق على كل معدوم وعلى هذا لم يستمر قولكم الوجود يشتمل على خير مطلق فكأنكم قلتم اشتمل الوجود على الوجود وهو تكرار غير مفيد ولم يستتب قولكم وعلى شر مطلق فإن الشر المطلق هو المعدوم والوجود كيف يشتمل على العدم فلم يصح التقسيم رأسا على أنا إنما فرضنا المسئلة في الحركات التي ورد عليها التكليف فإن الخير والشر فيها هو المقصود بالحسن والقبح وقد ساعدتمونا على أن حكمها في الأفعال غير معلوم بالضرورة ولا العقل يهتدي إليه بالنظر لأن ذلك يختلف بالإضافات والأزمان فبقي قولكم العلم من حيث هو علم محمود وكل محمود مطلوب لذاته والجهل بالعكس من ذلك فهو مسلم ولكن الطالب إذا حصل له المطلوب فهل يستوجب على الله ثوابا أم لا وإن لم يحصل بل حصل ضده هل يستوجب عقابا أم لا لأن التنازع إنما وقع من حيث التكليف لا من حيث ذات الشيء وصورته.
قالوا معنى الجزاء عندنا ترتب سعادة وشقاوة أبدية على نفس عالمة أو جاهلة كترتب صحة وسلامة في البدن على شرب دواء وذلك حاصل له بالضرورة وكترتب مرض وألم في البدن على شرب سم وذلك حاصل له بالضرورة أيضا.
قيل إذا كان سعادة النفس مترتبة على حصول قوى العلم والعمل وخروجهما من القوة إلى الفعل يحتاج إلى معاناة أمور شديدة ومقاساة أحوال عسيرة من تحصيل المقدمات والوقوف على كيفية تأديها بالطلب أو المطلوب ولم تكن الفطرة الإنسانية بمجردها كافية في التحصيل وتعارض الأمر عند العقل يوقف العاقل لئلا يقع في طريق يفضي به إلى الجهالة الموجبة للشقاوة فإن التوقف أولى من اقتحام الخطر في المهالك وأيضا فإن عندكم مخرج العقل من القوة إلى الفعل يجب أن يكون عقلا بالفعل فإن العقل بالقوة لا يخرج العقل بالقوة فإنه بعد محتاج إلى مخرج وليس هذا بذاته يخرج ذاته من القوة إلى الفعل وكما أن الممكن بذاته لا يترجح أحد طرفي إمكانه على الثاني إلا بمرجح كذلك ما هو بالقوة فلا يخرج من القوة إلى الفعل إلا بمخرج وكما أن المرجح على الحقيقة ما انتفى عنه وجوه الإمكان كذلك المخرج على الحقيقة ما انتفى عنه وجوه القوة كالمرجح لجانب الوجود على العدم في الممكنات هو واجب الوجود بذاته والمخرج من القوى إلى الفعل هو العقل الفعال فقد اعترفتم بأن لا خالق إلا الله ولا هادي إلى المعارف ولا موجب للتكاليف المستدعية للجزاء إلا هو بتوسط العقل الأول الفعال والعقول الجزئية بحكم مناسبتها العقل الأول ربما تشتمل منها صور المعارف فيعرف الأوائل فطرة وبديهة ثم يرد إليها الثواني والثوالث نظرا وتفكرا حتى يخرج إلى الفعل وهذا على طريق الجواز والإمكان لا على طريق الوجوب والضرورة لكن لا يعرف إيجابه وتكليفه على العموم إذ ليس لكل واحد من نوع الإنسان استعداد الاستمداد منه من كل وجه بل واحد بعد واحد فذلك هو النبي عندنا فلا تعرف المعارف إلا بالعقل ولا تجب المعارف إلا بالسمع فلزمكم من حكم قاعدتكم هذه ما أثبتنا وهو لازم ضرورة.
صفحہ 136