نهاية الإقدام في علم الكلام
نهاية الإقدام في علم الكلام
اصناف
قالت المعتزلة قد طلبتم للرؤية علة مصححة وتعين لكم الوجود فما أنكرتم أن جواز الرؤية من الأحكام التي لا تعلل فإن من الأحكام ما يعلل كالعالمية والقادرية ومنها ما لا يعلل كالتحيز وقبول العرض وجميع الصفات النفسية أليس تعلق العلم بالمعلومات لا يستدعي مصححا إذ تعلق بالواجب والجائز والمستحيل ولم توجد قضية هي أعم من الأقسام الثلاثة حتى تكون تلك القضية هي المصححة لتعلق العلم بها وكونها معلومة هي نفس تعلق العلم بها فتكون العلة والمعلول واحدا وإذا قررتم أن الرؤية إما علم مخصوص أو معنى في حكم العلم ثم لم تطلبوا مصححا للعلم فلم طلبتم مصححا للرؤية فقولوا تعلقت الرؤية بما تعلق به العلم أو لا علة ولا مصحح.
واعتراض ثان أن تقسيم الحال إلى قضية الاشتراك والافتراق إنما يصح على مذهب مثبتي الحال وأنتم معاشر الأشعرية قد نفيتم الحال ورددتم قضايا الخصوص والعموم والافتراق والاشتراك إلى محض العبارات فكيف صرتم إلى إلزام أحكام الحال حتى أبطلتم قضية الافتراق وعينتم قضية الاشتراك ثم حصرتم ذلك في قضية واحدة وهو الوجود على أن الموجودات إنما تختلف بوجودها عندكم والوجود في الجوهر هو نفس الجوهر وكما يتمايز الجوهر والعرض بالجوهرية والعرضية تمايزا في الوجود وكما تمايز القديم والحادث في القدم والحدوث تمايزا في الوجود فإن الوجود العام الذي شمل الموجودات حتى يصح أن يكون مصححا وحتى يصح الجمع بين الشاهد والغائب بذلك الجامع.
واعتراض ثالث قد أجملتم القول إجمالا في أن الرؤية تعلقت بالجوهر والعرض أما الجوهر المجرد والجسم المجرد فغير مسلم تعلق الرؤية به إذ قد استحال تجرده عن اللون فلم تتعلق الرؤية به مجردا وأما العرض فليس كل عرض قد تعلقت الرؤية به وإنما يستقيم دليلكم هذا أن لو تعلقت الرؤية بالجوهر والعرض على الإطلاق والتعمبم حتى يصح منكم ربط الحكم بجامع بينهما وإذا تعلقت ببعض الأعراض دون البعض فلم يكن الحكم معلقا بالعرض من حيث أنه عرض ولا بالجوهر من حيث أنه جوهر ولا يكون معلقا بما يجمع بينهما وهو الوجود أو الحدوث فلا بد إذا من إثبات التعلق وحصره في شيء دون شيء أو تعميمه بكل شيء وذلك نفس المتنازع فيه.
واعتراض رابع لم قلتم أن الحدوث لا يكون مصححا وقد عرفتم أن من الأحكام العقلية ما يتعلق بالحدوث دون الوجود وليس لقائل أن يقول أن كونه مسبوقا بعدم ليس بمؤثر فإن معناه أنه وجود على صفة واعتبار وكما أن المرئي أخص من المعلوم والرؤية تتعلق بالمعلوم على صفة الوجود كذلك نقول تتعلق بالوجود على صفة الحدوث وبالحادث على صفة المقابلة أو التكون أو غير ذلك من الصفات والاعتبارات وهذا السر وهو أن المنقسم ربما يورد أقساما وينفي بعض الأقسام مفردا وربما يكون الحكم معلقا بمركب من القسمين لا بمفرد بينهما فكما يجب نفي الأفراد من حيث هي أفراد فكذلك يجب نفي المركب من حيث هو مركب وهذا مما أغفله المتكلم كثيرا في مجاري تقسيماته وهو واجب الرعاية جدا.
واعتراض خامس قد تحقق أن الرؤية من جملة الحواس الخمس أفتقولون أنها كلها تتعلق بالوجود والمصحح لها الوجود أم الرؤية خاصة تتعلق بكل موجود فإن عممتم الحكم فقد افتتحتم أمرا وهو التزام كونه تعالى مسموعا مشموما مطعوما ملموسا وذلك شرك عظيم وإن خصصتم الحكم بالرؤية وجب عليكم إظهار دليل التخصيص فإن قلتم الدليل أنه لا يؤثر في المرئي ولا يتأثر منه فقيل هو نفس المتنازع فيه وإن قلتم هو علم أو في حكم العلم إلا أنه يقتضي تعيين المدرك فيقال لكم التعيين قد يكون تعيين العقل ولا شك أن الحس لا يستدعي ذلك التعيين فإن تعيين العقل كتخصيص العام وتفصيل المجمل وتقييد المطلق وتحديد الشيء ولا تختص أمثال هذه التعيينات بالرؤية والحس وإن قلتم التعيين تعيين الحس فهو يستدعي قبول الإشارة إليه وذلك يقتضي حيزا ومكانا وجهة ومقابلة وهو محال.
صفحہ 125