نهاية الإقدام في علم الكلام
نهاية الإقدام في علم الكلام
اصناف
الاعتراض الثالث فنقول أولا أنتم مطالبون بأن كل عرض حل في محل انقسم بانقسام المحل ضرورة فإن هذه القضية عندنا ليست ضرورية بل لما توهم في الألوان والأشكال أنها تنقسم بانقسام المحل أجري حكم ذلك في الكل فمن الأعراض ما ينعدم بانقسام المحال كالمماسة والتأليف ومنها ما لا ينعدم فيقوم بجزء منه قيامه بالكل وعند المتكلم العلم الواحد لا يقوم إلا بجزء واحد وانعكس الأمر عليكم فنقول إن كان انقسام المحل يوجب انقسام العرض فاتحاد العرض يستدعي اتحاد المحل وأنتم إذا سلمتم معنى وحداني الذات لا ينقسم بوجه فيلزمكم أن تثبتوا محلا له وحداني الذات لا ينقسم أليست النقطة عرض وهو شيء ما لا ينقسم بوجوه فيلزمكم أن تثبتوا محلا له وحداني الذات لا ينقسم من الجسم ومحلها من الجسم وجب أن لا ينقسم على أنا نلزمهم أمرا لا جواب لهم عنه وهو أن هذا المعنى الكلي الواحد الذي يدركه العقل أيبقى مع العقل محفوظا مذكورا بالفعل أبد الدهر أو يجوز أن يغفل عنه العقل ولا حاصل للقسم الأول فإن الإنسان يجد من نفسه غفلته عن المعقولات المحصلة فيبقى متحفظا في خزانة الحفظ وهي قوى جسمانية إن جاز أن يحفظها كلية فلم لا يجوز أن يكون قوة جسمانية يحصلها كلية فإن حفظ المرتسم في النفس كنفس الارتسام أم تبقى محفوظة في غير خزانة الحفظ وهو العقل المفارق الفياض عليه كما قيل أنه يصير له كالخزانة الحافظة متى طالعه أشرف عليه ثانيا وأفاده الصورة الأولة بعينها فيذكره ما قد نسي ويذكر ثانيا ما قد أغفل فيلزم على مقتضى ذلك إشكالان أحدهما أن الصورة المفصلة كيف ترتسخ في ذات واهب الصور مفصلة حتى تكون لزيد عنده صورة ولعمرو صورة وهو يحفظ الكل مفصلا منقسما متعددا متمايزا بعضها عن بعض بالكم والكيف وهو أحدي الذات واسع الإفاضة عام الإضافة وهذا من أمحل المحال والإشكال الثاني أن الذي تصورتم في جانب الحفظ فيتصور في جانب الإدراك الأول حتى تحكموا بأن المدرك للكليات هو العقل الفعال كما أن الحافظ هو وليس إلى النفس الإنسانية إلا تركيب القضايا وتأليف المقدمات ورفع الحجب ثم يكون العقل مدركا كما كان حافظا والإنسان يكون مدركا بإدراك في ذات العقل الفعال كما كان حافظا بحفظ في ذات العقل الفعال فيكون العقل الانفعالي حاصلا له كما كان العقل الفعلي حاصلا منه وتكون نسبة العقول الجزئية إليه في العرض عليه نسبة الحواس الباطنة إلى العقل الإنساني في العرض عليه وهذا موضع إشكال وشك عظيم وربما يستوفي شرحه في المباحثات التي بيننا وبين الفلاسفة إن شاء الله.
القاعدة الخامسة عشر
في العلم بكون الباري تعالى سميعا بصيرا
ذهب أبو القاسم الكعبي ومن تابعه من البغداديين إلى أن معنى كونه سميعا بصيرا أنه عالم بالمسموعات والمبصرات لا زائد على كونه عالما بالمعلومات ووافقه جماعة من النجارية ومن قال من المعتزلة أنه سميع بصير لذاته فمذهبه مذهب الكعبي لا غير ومن قال منهم أن المعنى بكونه سميعا بصيرا أنه حي لا آفة به فمذهبه بخلاف مذهب الكعبي وهو الذي صار إليه الجبائي وابنه ومنهم من صار إلى أن معنى كونه سميعا بصيرا أنه مدرك للمسموعات والمبصرات وذلك زائد على كونه عالما.
وذهب أبو الحسن الأشعري رحمه الله إلى أنه تعالى سميع بسمع بصير ببصر وهما صفتان قائمتان بذاته زائدتان على كونه عالما.
ودليله في ذلك أن الحي إذا قبل معنى وله ضد ولا واسطة بين الضدين لم يخل عنه أو عن ضده فلو لم يتصف بكونه سميعا بصيرا لاتصف بضدهما وذلك آفة ونقص وهذه المقدمات تحتاج إلى إثبات فلا بد من البرهان على كل واحدة منهما.
أما المقدمة الأولى فالدليل عليها أن المصحح لقبول السمع والبصر شاهدا هو كون الإنسان حيا إنا عرفنا ذلك بطريق السبر إذ لو كان المصحح وجوده أو حدوثه أو قيامه بالنفس أو غير ذلك من الأوصاف كان منتقضا على الفور فبقي كونه حيا والباري تعالى حي فلزم القضاء بكونه موصوفا بالسمع والبصر لتعاليه عن قبول الآفات والنقائص وليس منكر صحة قبول السمع والبصر أسعد حالا ممن يزعم أن الباري تعالى لا يتصف بالعلم وضده مصيرا إلى استحالة اتصافه بحكميهما.
فإن قيل ما الدليل على أنه إذا لم يتصف بالسمع والبصر يجب أن يتصف بضدهما.
صفحہ 119