ظهرت أعمال أخرى بسرعة بالغة، وكان من ضمنها «مجموعة الوثائق الأصلية» لويليام ويستون، والذي كان أول نص يتحدى علانية صورة نيوتن كفارس أبيض متألق. وكان ويستون خليفة نيوتن كأستاذ للرياضيات بجامعة كامبريدج، إلا أنه فصل من كامبريدج في عام 1710 لاعتناقه آراء دينية مهرطقة مشابهة لتلك التي اعتنقها نيوتن. وأفصح ويستون لأول مرة عن آراء نيوتن اللاهوتية المتطرفة، وقارن بين «السلوك والطابع الحذر» الذي اتسم به نيوتن وبين «انفتاحه» هو نفسه، ولكنه أشار إلى أن نيوتن لم يكن يستطيع إخفاء اكتشافاته العظيمة في اللاهوت «على الرغم من طابعه شديد التخوف والحذر والتشكك».
حتى قبل أن يقرأ كوندويت كتاب ويستون، استاء من الطريقة الموضوعية التي قارن بها فونتنيل بين نيوتن وديكارت، ومن طريقة معالجته لنزاع الأسبقية. وعلى الفور، كتب مرة أخرى لعدد من أنصار نيوتن في فبراير من عام 1728 مناشدا إياهم؛ «باعتبار أن سير إسحاق نيوتن كان شخصية قومية، فإنني أعتقد أنه على الجميع أن يساهم بعمل يهدف لإنصافه». وكان من بين أكثر الرسائل التي تلقاها ردا على رسالته إثارة، رسالتان من همفري نيوتن (لا توجد صلة قرابة تربطه بنيوتن)، والذي باعتباره سكرتيرا لنيوتن، كان لديه بصيرة فريدة من نوعها لسلوكه خلال السنوات التي ألف فيها كتاب «المبادئ الرياضية» (1684-1687). فبحسب همفري، كان نيوتن أحيانا ما «يقف فجأة، ويستدير، ويركض صاعدا الدرج، وكأنه أرشميدس آخر، ويصيح «وجدتها، وجدتها»، وينكب ليكتب واقفا دون أن يمنح نفسه رفاهية سحب كرسي للجلوس عليه». وكان نيوتن في ذلك الوقت فيما يبدو يستقبل مجموعة مختارة من العلماء في قاعته، من بينهم جون فرانسيس فيجاني، وهو محاضر في الكيمياء في كلية ترينيتي. وظلت علاقة فيجاني بنيوتن على ما يرام، حتى قام فيجاني «بسرد قصة خليعة عن إحدى الراهبات»، بحسب كاثرين كوندويت.
كان جون كوندويت قد تلقى بالفعل معلومات غاية في الأهمية من خبير الآثار ويليام ستوكلي، الذي كان قد انتقل إلى جرانثام قبيل وفاة نيوتن. ولما كان هذا هو المكان الذي التحق فيه نيوتن بالمدرسة الثانوية المحلية فيما كان يقيم مع الصيدلي المحلي، فقد كان ذلك مكانا مثاليا لجمع معلومات متعلقة بمرحلة الشباب من حياته. وبحلول عام 1800، نشر بعض مما ذكره ستوكلي والقليل من أوراق كوندويت. غير أنه في بداية القرن التاسع عشر، ساهمت المعلومات الجديدة بعمق في تغيير طريقة تفكير الناس في نيوتن. وفي عام 1829، كشفت ترجمة لسيرة ذاتية حديثة لنيوتن كتبها جون-باتيست بيو أنه عانى من انهيار عصبي في أوائل تسعينيات القرن السابع عشر. ولكن ما كان أشد تدميرا هو ما حدث في ثلاثينيات القرن التاسع عشر حين انطلق وابل من المعلومات المزعجة من أوراق أول فلكي ملكي، جون فلامستيد، والتي قدمت صورة ذميمة لسلوك نيوتن. ومنذ ذلك الحين، راح الفيكتوريون يتبارون فيما بينهم لتقديم ترجمات لحياة نيوتن وأعماله. والأهم من كل ذلك، أصبح كتاب ديفيد بروستر «مذكرات عن حياة ومؤلفات واكتشافات سير إسحاق نيوتن» (1855)، وهي نسخة منقحة بشكل رائع من كتابه «حياة سير إسحاق نيوتن» (1831)، هي الترجمة الغالبة لحياته لما يزيد على قرن. وقد حاول ببسالة التعامل مع انخراطه الشديد في الخيمياء، وآرائه الدينية غير التقليدية، ومعاملته الفجة غالبا للصديق والعدو، ولكنه لم يرغب مطلقا في الإقرار بالمدى الكامل الذي وصل إليه انحدار نيوتن.
في بداية سبعينيات القرن التاسع عشر، قرر لورد بورتسمث الخامس - وهو حفيد بعيد لكاثرين كوندويت ومالك أوراق نيوتن البحثية - التبرع بمخطوطات نيوتن «العلمية» للدولة. وشكلت لجنة بجامعة كامبريدج لتقييم قيمة المجموعة، وأعلنت نتائجها في كتالوج لهذه الأوراق البحثية في عام 1888. أما الأوراق غير العلمية، بما فيها مؤلفات نيوتن في الخيمياء واللاهوت، فلم تعتبر ذات قيمة كبيرة بوجه عام، وظلت مع عائلة بورتسمث إلى أن بيعت في صالة سوذبي للمزادات في عام 1936 مقابل مبلغ زهيد للغاية تجاوز بالكاد 9 آلاف جنيه إسترليني. واستحوذت إحدى مؤسسات بيع مواد النشر بالتدريج على معظم أوراق نيوتن في اللاهوت من التجار، وبيعت في النهاية لجامع المقتنيات النادرة أبراهام يهوذا، الذي كان خبيرا في فقه اللغات السامية. وتوفي يهوذا في عام 1951، وعلى الرغم من كونه معاديا للصهيونية، فقد ذهبت ملكية مجموعته المدهشة من أوراق نيوتن إلى المكتبة الوطنية الجامعية في الجامعة العبرية بالقدس بعد دعوى قضائية استمرت لما يقرب من عقد كامل.
حضر الاقتصادي الكبير جون ماينارد كينز جزءا من مزاد سوذبي، وركز كل جهوده للاستحواذ على جميع أوراق نيوتن في الخيمياء، وكذلك الأوراق «الشخصية» التي كانت تحت يد جون كوندويت. وبحلول عام 1942 - والذي وافق الذكرى المئوية الثالثة لميلاد نيوتن - أصبح كينز مالكا للغالبية العظمى من أوراق نيوتن في الخيمياء، إلى جانب بعض الأطروحات اللاهوتية. وعلى الرغم من انشغاله بمتطلبات الحرب العالمية الثانية، ألقى كينز خطبة بنيت على هذه المواد كجزء من الاحتفالات الهادئة بالمئوية الثالثة. وكان نيوتن الذي وصفه في خطبته أكثر روعة بكثير من ذلك الشخص الذي قدمه مؤرخو السير الذاتية السابقون، إذ وصفه بأنه «يهودي موحد من أتباع مدرسة موسى بن ميمون»، وأنه لم يكن «صاحب مذهب عقلي» أو «أول وأعظم علماء العصر الحديث»، ولكنه:
آخر جيل السحرة، وآخر البابليين والسومريين، وآخر العقول العظيمة التي أشرفت على العالم المرئي والفكري بنفس أعين هؤلاء الذين بدءوا في بناء تراثنا الفكري منذ ما لا يقل عن 10 آلاف عام.
كان نيوتن ينظر إلى عالمي الطبيعة والنصوص الغامضة المتلازمين كلغز ضخم يمكن حله من خلال فك شفرة «بعض الخيوط الغامضة التي نسجها الله حول العالم لإتاحة نوع من البحث الفلسفي عن الحقيقة للنخبة». وكانت كتاباته في موضوعات الخيمياء واللاهوت، حسبما ذهب كينز، «تتميز بالمعرفة الواعية، والمنهج الدقيق، والرصانة البالغة في التعبير»، وكانت «معقولة ومنطقية شأنها شأن كتاب المبادئ الرياضية».
استفادت أكثر سيرتين ذاتيتين مؤثرتين وقائمتين على مادة علمية - واللتين كتبتا في أواخر القرن العشرين - استفادة واسعة من المواد الواردة بالمخطوطات اليدوية. فيقدم كتاب «لوحة لإسحاق نيوتن» الصادر عام 1968 الذي ألفه فرانك مانويل ترجمة تحليلية نفسية لشخصية نيوتن، اعتمدت اعتمادا كبيرا على الفرضية القائلة بأن سلوك نيوتن اللاواعي اتضح «على نحو أساسي في مواقف الحب والكراهية». ووفقا لمانويل، فإن مصدر مشكلات نيوتن النفسية كان يكمن في حقيقة زواج والدته مرة أخرى ولم يكن نيوتن قد تجاوز الثالثة من عمره فقط. فبعد فقدانه لوالده الحقيقي، والذي توفي قبل شهور قليلة من ميلاده، أصبح نيوتن يكن عداء لزوج والدته، وكرس نفسه للأب الوحيد الذي استطاع أن يدرك وجوده بحق؛ هو الله. وقد أوضح مانويل كيف أن التجارب الصادمة التي واجهها في شبابه كانت داخلية، وأن الشاب المتزمت العبقري المعذب أصبح الطاغية الهرم في بدايات القرن الثامن عشر.
وفي كتاب ريتشارد إس ويستفول الأكثر تقليدية بعنوان «رجل لم يعرف الراحة: ترجمة علمية لحياة إسحاق نيوتن» الصادر عام 1980، تناول المؤلف أعمال نيوتن باعتبارها الجانب الرئيس في حياته. فقد عنيت «ترجمته العلمية» المستقاة من المجموعة الكاملة لمخطوطات نيوتن التي كانت متوافرة آنذاك للعلماء والدارسين، بكل جانب من اهتمامات نيوتن الفكرية، وإن كان مجاله العلمي «يمثل الفكرة الأساسية». وبينما يتعامل ببراعة واقتدار مع إنجازات نيوتن الفكرية، إلا أنه من الواضح أن إعجاب ويستفول الشديد بهذا الجانب من حياة نيوتن لا يمتد ليشمل سلوكه الشخصي.
وقد مقت ويستفول في النهاية ذلك الرجل الذي ظل يدرس أعماله على مدى أكثر من عقدين، ولم يكن أول من يكن مثل هذا الشعور تجاه الرجل العظيم.
نامعلوم صفحہ