فقالت بدهشة حقيقية: أين ستبيت إذن؟
فقال بغير دهشة: لا يهم في أي مكان.
وهزت أكتافها وعادت مرة أخرى تنظر من نافذة الترام.
وكان معنى هذا أن الحديث سوف يؤدي إلى سكون، والسكون عدوه الأكبر، فعليه أن يتابع الحديث، خاصة والاضطراب قد استبد به إلى درجة أنه راح يهز ساقه هزات عصبية غير ملحوظة ... فقد بدا واضحا أن حاسته السادسة قد خانته، فالمرأة واضح أنها زوجة وربة بيت ومن إجابتها وطريقة حديثها يبدو أنها مثقفة ورزينة إلى حد كبير، والملابسات كلها تشير إلى أن عليه أن ييأس إذ ليس هناك أبدا أي بادرة تدل على النجاح. وفعلا كان اليأس قد بدأ يصبغ كل حركاته وأفكاره وحتى نظراته. وكان وعيه قد بدأ يرتد إليه ويهيب به أن يهبط في أول محطة ويستعد لرحلة تخبط في طريقه إلى فندق فيكتوريا. فقط كان عليه أن يقول شيئا يختتم به الحديث ويكون الوسيلة إلى تبادل الأسماء وأرقام التليفون؛ فحتى هذا الوقت لم يكن قد عرف اسمها ولم تكن قد عرفت اسمه. وبهذا تصبح المسألة كلها واحدة من عشرات الحالات المماثلة التي التقى بها، والتي انتهت بكتابة الأسماء بحروف واضحة في مفكرته وبجوارها أرقام التليفونات والعناوين ... أسماء وعناوين يعلم سلفا أنه لن يرى اصحابها أبدا ولن يراسلهم.
أجل عليه الآن أن يختم حديثه معها بأية حيلة، وسألها بلا قصد: صحيح أنت متزوجة؟
وعادت من التفاتتها وضحكت وقالت: طبعا! ألا يبدو علي أني كذلك؟
فقال وهو يحاول إطراءها: الحقيقة لا يبدو عليك شيء من هذا.
وحين أحس أنها سعدت بإطرائه قال مواصلا كلامه: أنا أتكلم جادا ... صحيح أنت متزوجة ولك أولاد؟
قالت وهي تكبت الضحك: طبعا! ألم أقل لك هذا؟ أنا متزوجة ولكن ...
ودق قلب درش بين ضلوعه وكاد يحبس أنفاسه انتظارا لما يمكن أن يكون وراء «لكن» هذه.
نامعلوم صفحہ