نزعة فکر یورپی
نزعة الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر
اصناف
غير أنني سوف لا أتناول بالبحث من مجمل ما نبذت به أقلام المحافظين الثابتين على مغالاتهم في التمسك بالآراء العتيقة إلا ما كشف لنا منها عن أصول الخطأ المتغلغلة في تضاعيف الفكرات الحديثة، أو ما نزل منها إلى أبعد أغوار المبادئ والفكرات المبتكرة ليزيدها ثباتا وحقا، أو ما يكشف منها عن أساليب جديدة تساعدنا على تحقيق القواعد التي نعكف عليها. إن هذه لهي الروح التي بثها الفيسلوف «كانت» في الفكر الحديث. أما ما يناقض تلك الروح من نزعات المتطرفين المغالين الذي يهدمون ولا يشيدون، الذين قعدت بهم الهمة عن بلوغ مرتكز ثابت يرتكزون عليه، على اعتقاد أن الفكر الإنساني وقوة المشاهدة المنبثة في العقل ليست سوى خيال ووهم؛ فأولئك سوف أمر عليهم مرا لا أعيرهم فيه شأنا ولا انتباها. ذلك خير ما تفعل إزاء فلسفة جوفاء عدمت كل معنى من معاني الحياة.
ولا يفضلهم في نظري أولئك المحافظون على القديم الذين ينتقصون كل تقدم، محاولين إخفاء ضوء النهار وراء الظلمة التي تنبعث من أقلامهم، ويبشرون بمذهب «الاستمرار» في الفلسفة؛ ذلك المذهب الذي ينكر كل تقدم صحيح في العالم الإنساني، غير أن هذا كله لن يعوقني عن الاعتراف بما كان لبعض الحركات الرجعية من نفع وفائدة؛ فإن «الفلسفة التخيلية»
Romanticism
بما كان فيها من حب الماضي، وما أبرزته مثالياتها من تلك الصورة الفنية المحكمة التي صورت بها الإنسانية في طفولتها وغرارتها، ومظاهر الحياة في فطرتها الأولى، وإكبابها على دراسة حالات القرون الوسطى، وما كونت من كفاءات القياس التاريخي، كل هذه الأشياء كانت لها فوائدها، رغم طبيعتها الرجعية. سوف أبذل جهدي لكي أجيب دائما على من يسائلني: أي شيء أضاف القرن التاسع عشر إلى مجموعة ما أنتج العقل من فكرات؟ وأي كسب نالنا من ذلك الجهد العظيم؟ مقتنعا بأن كل شيء فيه صفة الحياة لابد من أن ينمو ويزيد ويتضاعف. وأي شيء فيه من صفات الحياة الحقيقية ما في الفكر؟
على أن مدرسة «النقد الفكري» التي وضع أساسها الفيلسوف «كانت»، والمدرسة «التخيلية» التي تركزت حول عقل «وولتر سكوت»
Walter Scott
والتخيليين الألمان، إن كانتا أخص ما أنتج الفكر في القرن التاسع عشر؛ فإني لأعتقد أنهما لا تصلحان أن تتخذا قاعدة أولية يبتدئ منها باحث يريد أن يؤرخ في عالم الفكر خلال القرن التاسع عشر. إن أخص ما يجب أن ينصرف إليه كل من تصدى للبحث في ذلك العهد: أن يسوق بحثه متخذا من مذهب «هيجل» في «نشوء الفكر بالقوة الذاتية» مرصدا يرصد منه الفكر؛ ليخلص من بحثه بنتيجة تحقق لدى المفكرين مقدار ما في هذا المذهب من حق، وما ينطوي عليه من صواب.
نامعلوم صفحہ