نظریہ تطور اور انسان کی اصل
نظرية التطور وأصل الإنسان
اصناف
فما حدث في بضع السنوات الماضية كان يحدث في ملايين السنين الماضية؛ فإن مناخ العالم كان يتغير؛ فالأقاليم الحارة تعود باردة فتموت فيها الأحياء التي لا تقوى على مكافحة البرد، والعكس بالعكس، فنحن نعرف أن النخل لا ينمو إلا في البلاد الحارة ، ومع ذلك قد وجدت متحجراته حول القطب الشمالي والأرض الخضراء في كندا، مما يدل على أن المناخ هناك كان حارا مدة ما.
وقد أصاب العالم عصور جليدية تبلغ أربعة أو خمسة، كان البرد ينتشر فيها شديدا في عدة أمكنة، ومعتدلا في أمكنة أخرى، فكانت الأحياء التي لا تستطيع مكافحته تموت، وتنقرض بذلك أنواع من الحيوان والنبات.
وأهم ما يهمنا من هذه العصور الجلدية اثنان: ذاك الذي أباد الزواحف الكبرى بعد أن كانت تملأ العالم، وبعد أن بلغ حجم بعضها ستة أو سبعة أضعاف الفيل، ثم يهمنا أيضا العصر الجليدي الأخير الذي انتهى بظهور الإنسان، وهذا العصر لا تزال بقاياه ظاهرة في جو أوربا البارد، ولا تزال قمم جبال الألب، وهي إعجاز الجبال القديمة، مغطاة على الدوام بالثلج صيفا وشتاء.
فهذه العصور الجليدية كانت بمثابة الامتحان الشاق لا يجوزه إلا ذو الحيوية القوية أو العقل الذكي أو القانع بالطعام القليل؛ فقد قضى أحد هذه العصور على الزواحف الصغيرة، التي لا تزال تعيش بيننا للآن عيشة سرية في ظلام الليل؛ لأنها قنعت بطعام قليل في وقت انتشر فيه البرد، فقل نمو النبات، فلم يعد فيها ما يكفي غذاء الزواحف الكبرى فانقرضت، ولم تكن وسائل تنازع البقاء قائمة على العقل أو القوة الجسدية؛ لأن الدماغ كان في ذلك الوقت صغيرا جدا، فكان إدراك الدينصور - أحد هذه الزواحف - لا يزيد على إدارك طفل لم يكمل عاما من عمره، ولم يكن التنازع متوقفا على القوة الجسدية؛ لأن أقوى هذه الزواحف كان أضخمها جسما وأكثرها طعاما، فلما قل الطعام للبرد بادت كلها، ما عدا حيوانات صغيرة قنعت بالقليل من الطعام، بل يقول البعض بانقراضها كلها.
أما في العصر الجليدي الأخير فقد أتيحت فيه الفرصة للحيوانات أن تتنازع بعقولها؛ لأن الدماغ كان قد بلغ حجما يؤبه به، واتسع إدراك الحيوان، ونحن نعرف ذلك بما نجده الآن من متحجرات الحيوان قبل هذا العصر وبعده؛ فقد تضاعف حجم الدماغ بعد العصر الجليدي في جميع الحيوانات تقريبا، مما يدل على أن النزاع بينها كان قائما على قوة الدهاء وسعة الحيلة والقدرة على الاستنباط.
فالعصر الجليدي جعل الحياة شاقة على الأحياء؛ لأن الطعام قل قلة محسوسة، ولأن مطالب الجسم زادت بزيادة البرد، وخرج الإنسان سيدا للكائنات من هذا العصر؛ لأنه أكبرها دماغا، وهو لا يزال كذلك للآن؛ فليس في العالم الآن حيوان له دماغ في قدر دماغنا أو أكبر منه سوى الفيل والقيطس، لكن دماغ كل منهما بالنسبة إلى جسمه أصغر من دماغنا بالنسبة إلى جسمنا، أما دماغ الجاموس والجمل والبقر فأصغر من دماغنا نسبة وإطلاقا مع ضخامة أجسام هذه الحيوانات.
ولكن لم يكن الدماغ وحده العامل الوحيد في سيادة الإنسان؛ لأننا لو فرضنا أن للثور دماغا مثل دماغ الإنسان لرأينا أنه لا يستطيع أن يعمل شيئا عظيما، وإنما ساعد الإنسان على التفوق ثلاثة أشياء:
أولها:
أننا كنا نعيش قبل العصر الجليدي على الأرض والأشجار، نفترش غصونها ونعترشها، فقويت فينا حاسة النظر، والنظر أكثر الحواس تذكية للعقل؛ لأنه لو كانت معيشتنا تستدعي قوة الشم أو السمع دون النظر لما ساعد هذا على حدة ذكائنا؛ لأن النظر يجمع عدة صور أمام الذهن فيفسح له مجال التصور، بخلاف الشم أو السمع فإنهما يضيقانه إذا قوبل عملهما بعمل النظر.
ثانيهما:
نامعلوم صفحہ