151

نظرات

النظرات

ناشر

دار الآفاق الجديدة

ایڈیشن نمبر

الطبعة الأولى ١٤٠٢هـ

اشاعت کا سال

١٩٨٢م

اصناف

بلاغت
في الأودية والجبال، ويعيش الإنسان رهين المحبسين: محبس نفسه ومحبس حكومته من المهد إلى اللحد.
صنع الإنسان القوي للإنسان الضعيف سلاسل وأغلالا وسماها تارة ناموسا وأخرى قانونا؛ ليظلمه باسم العدل ويسلب منه جوهرة حريته باسم الناموس والنظام.
صنع له هذه الآلة المخيفة، وتركه قلقا حذرا مروع القلب مرتعد الفرائض، يقيم من نفسه على نفسه حراسا تراقب حركات يديه وخطوات رجيله وفلتات لسانه وخطرات وهمه وخياله؛ لينجو من عقاب المستبد ويتخلص من تعذيبه، فويل له ما أكثر جهله، وويح له ما أشد حمقه، وهل يوجد في الدنيا عذاب أكبر من العذاب الذي يعالجه، أو سجن أضيق من السجن الذي هو فيه.
ليست جناية المستبد على أسيره أنه سلبه حريته بل جنايته الكبرى عليه أنه أفسد عليه وجدانه فأصبح لا يحزن لفقد تلك الحرية ولا يذرف دمعة واحدة عليها.
لو عرف الإنسان قيمة حريته المسلوبة منه وأدرك حقيقة ما يحيط بجسمه وعقله من السلاسل والقيود لانتحر كما ينتحر البلبل إذا حبسه الصياد في القفص، وكان ذلك خيرا له من حياة لا يرى فيها شعاعا من أشعة الحرية ولا تخلص إليه نسمة من نسماتها.

1 / 147