بسم الله الرحمن الرحيم
شكر وتقدير
الحمد لله وحده حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، وعلى آله وصحبه ومن تمسك برشده.
أما بعد،
فيقول الله تعالى في محكم تنزيله: ﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ ١.
ويقول النَّبِيِّ ﷺ: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" ٢.
فبناء على هذين المبدأين العظيمين يطيب لي أن أتقدم بجزيل الشكر وفائق الاحترام إلى فضيلة الشيخ عبد المحسن حمد العباد نائب رئيس الجامعة الإسلامية سابقًا، الذي أشرف على بحثي حوالي ثمانية أشهر، فتعاون معي في اختيار الموضوع والحصول على النسخ المخطوطة من الكتاب، وأرشدني إلى القيام برحلة علمية إلى بعض البلدان العربية كي أتزود لبحثي، فجزاه الله وتقبل منه، وشكر سعيه.
_________
١ الآية (٤٠) من سورة النمل.
٢ رواه أبو داود من حديث أبي هريرة. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود ١٣/ ١٦٥ من كتاب الأدب.
1 / 8
كما أتقدم بخالص شكري وامتناني وعظيم تقديري وثنائي إلى فضيلة العلامة الدكتور أحمد إبراهيم مهنا، حفظه الله، المشرف المباشر على رسالتي إلى نهاية المطاف، فأعطاني من علمه الجزيل، وخلقه النبيل، وتوجيهاته الدقيقة وإرشاداته القيّمة الشيء الكثير ووهبني أوقاته النفيسة بدون تقييد زمان ومكان، فبذل قصارى جهده بكل إخلاص بإعادة النظر في كل ما أكتب لكي تخرج هذه الرسالة على أكمل وجه سليمة قيّمة يعم نفعها على الباحثين والدارسين، فجزاه الله أحسن ما يجزي به عباده المخلصين وتقبل منه جهده وإخلاصه ووهب له مزيدًا من التوفيق، وأطال عمره في خدمة دينه.
كذلك أتوجه بالشكر الجزيل والثناء الحسن للشيخ العلامة حماد بن محمّد الأنصاري الذي كان يفيض عليّ من كنوز معلوماته ومن نوادر كتبه ومخطوطاته ما أسد به ثغورًا كثيرةً من ثنايا بحثي. فتقبل الله منه وشكر الله سعيه وإخلاصه.
كما أتوجه بالدعاء الخالص لسماحة الشيخ الدكتور مصطفى زيد ﵀ المدرّس بالدراسات العليا سابقًا، وصاحب كتاب (النسخ في القرآن الكريم) الذي شجعني إلى اختيار هذا الموضوع وأفادني كثيرًا خلال تدريسه، فغفر الله له وجعل جهده الخالص صديق خير له في مرقده ومأواه إلى يوم الدين.
1 / 9
وأخيرًا أتوجه بالشكر وفائق الاحترام والتقدير إلى جميع الإخوة الذين ساعدوني وتعاونوا معي على إنجاز بحثي وأداء مهمتي بخدماتهم الخالصة من موظفي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورّة، وبخاصة موظفوا الدارسات العليا.
والله أسأل أن يتقبل من الجميع خدماتهم وتعاونهم وأن يوفقهم للعمل الدائب المستمر في التعاون على البرّ والتقوى، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
محمّد أشرف عليّ المليباري
1 / 10
مقدّمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا. والصلاة والسلام على رسوله المبيّن للناس ما نزل إليهم، وعلى آله وصحبه الذين اتخذوا سبيله شرعة ومنهاجًا.
أما بعد،
فإن القرآن الكريم هو أعظم رسالة سماوية وأعلاها مكانة، وأجلّها معجزة، وأكملها نظامًا ومنهجًا، وقد تولى الله ﷾ حفظه بقوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ١. وكان هذا الوعد الإلهي مزيّة للقرآن الكريم من بين الكتب السماوية، حيث بدلت تلك وحرفت، والقرآن ما زال ولم يزل أهله يحفظونه في صدورهم ومصاحفهم، ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار وينفذونه جيلًا بعد جيل، في حياتهم الفردية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، بل وفي جميع جوانب الحياة البشرية، ويتفرغ عبر القرون ثلة من خيارهم لدراسته وتفسيره واستنباط أحكامه، ومعرفة ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، والاعتبار بدعوته وقصصه، ووعظه وإرشاداته، بل ولأجل هذا الكلام المعجز يتوسعون في
_________
١ الآية (٩) من سورة الحجر.
1 / 17
العلوم والفنون الأخرى كي يتمتعوا ببلاغته وفصاحته، وإعجازه، ولكي يظهروا الفرق الشاسع بين كلام الخالق والخلق، فما من سورة من سوره ولا آية من آياته ولا كلمة من كلماته إلا ويدور حولها بحث بألسنة الباحثين والمؤلفين وأقلامهم.
وقد شرف الله بهذا الكلام المعجز للعالم محمّدًا خاتم النبيين وجعله مبيّنًا لما أجمل فيه وشارحًا ما يحتاج إلى الشرح بقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ ١ وجعل عبء مسؤوليته وثقل رسالته من بعده على عاتق أمته وكاهل علمائها، وهم الوارثون رسالته حيث يقول: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ ٢.
فكان كل فرد من مخلصي هذه الأمة وعلمائها يتنافس مع غيره في أخذ نصيبه من الميراث، ويسابق الآخرين للاشتراك في أداء الرسالة، وكان العلامة المحقق والفهامة المدقق فريد عصره ووحيد دهره جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن الجوزي القرشي، ﵀ رحمة واسعة، واحدًا منهم، فقد جاهد في سبيل الله بلسانه وقلمه وألّف في شتى الفنون حوالي (٣٨٠) كتابًا حسب ما وصل إليه العلم، ومعظم مؤلفاته كانت مهملة تأكلها الأرضة والتراب. وكان من بينها كتاب لطيف فريد في نوعه (نواسخ القرآن) وها هو اليوم بعون الله وتوفيقه يظهر من عالم
_________
١ الآية (٤٤) من سورة النحل.
٢ الآية (١٠٨) من سورة يوسف.
1 / 18
المخطوطات ليكون في متناول الدارسين والباحثين، وذلك لأوّل مرة بعد غيابه حوالي ثمانية قرون عرضة للعث والأرضة، فلله الحمد والمنة.
1 / 19
أهمية الموضوع:
إن موضوع هذا الكتاب الذي بين يديك، وهو (نواسخ القرآن)، أو (الناسخ والمنسوخ في القرآن) من أهم الموضوعات وأجلّها قدرًا في شريعتنا الغراء، لأن مدار الدين كتاب الله ﷾، فما ثبت فيه محكمًا غير منسوخ نفذناه، وعملنا به، وما كان منسوخًا منه لم نعمل به ومعرفة ذلك مهمة كبيرة ومسؤولية عظيمة، وهي في نفس الوقت شاقة جدًا لا يستطيع الإنسان الحكم فيها بعقله وتفكيره مهما كان ولا يمكن ذلك إلا بنقل صحيح ثابت عن صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه، ولا مجال للعقل أو الاجتهاد فيها، كما لا يجوز للإنسان أن يتصرف في مثل هذا الموضوع الحساس، بآرائه البحتة غير مستند إلى كتاب الله أو سنة رسوله ﷺ، أو أقوال الصحابة المحكية عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بسند صحيح ثابت خال من الجرح والعلة.
لذا، كان السلف الصالح يرى معرفة الناسخ والمنسوخ شرطًا في أهلية المفسر للتفسير والمحدث للحديث، وقد كان أمير المؤمنين عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ الله بن عمر، وعبد اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، ﵃، لا يرضون لأحد أن يتحدث في الدين إلا إذا كان عارفًا بالناسخ والمنسوخ من القرآن١. وقد جاء في الأثر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ بأنه كان
_________
١ أخرج نحوه النحاس في ناسخه (٥) من طرق متعددة عن عليّ ﵁ كما ذكره هبة الله بن سلامة في ناسخه ٤ عن عليّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، ﵃. وأورد نحوه الهيثمي أيضًا في مجمع الزوائد١/ ١٥٤، ثم عزاه إلى الطبراني في الكبير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﵄.
1 / 20
يفسر قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا﴾ ١ بأن الحكمة معرفة ناسخ القرآن وَمَنْسُوخِهِ وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ وَمُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ وحلاله وحرامه وأمثاله٢.
يقول يحيى بن أكثم التميمي ﵀، وهو أحد عظماء السلف المتوفى سنة: ٢٤٢هـ: "ليس من العلوم كلّها علم هو أوجب على العلماء وعلى المتعلمين، وعلى كافة المسلمين من علم ناسخ القرآن ومنسوخه، لأن الأخذ بناسخه واجب فرضًا والعمل به واجب لازم ديانة، والمنسوخ لا يعمل به ولا ينتهى إليه، فالواجب على كلّ عالم، علم ذلك لئلا يوجب على نفسه وعلى عباد الله أمرًا لم يوجبه الله، أو يضع عنهم فرضًا أوجبه الله"٣.
ويقول الإمام ابن حزم الظاهري المتوفى سنة: ٥٥٦هـ: "لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة: هذا منسوخ إلا بيقين، لأن الله عزوجل، يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ
_________
١ الآية (٢٦٩) من سورة البقرة.
٢ أخرج نحوه الطبري في جامع البيان٣/ ٦٠، وابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط الجزء الأوّل ورقة (٢١٠) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄.
٣ انظر: جامع بيان العلم وفضله للحافظ يوسف بن عبد البر القرطبي ٢/ ٣٥.
1 / 21
بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ١. وقال تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ ٢. فكل ما أنزل الله في القرآن، وعلى لسان نَبِيَّهُ ﷺ فرض اتباعه. فمن قال في شيء من ذلك إنه منسوخ، فقد أوجب أن لا يطاع ذلك الأمر وأسقط لزوم اتباعه، وهذه معصية لله تعالى مجردة، وخلاف مكشوف إلى أن يقوم برهان على صحة قوله، وإلا فهو مفتر مبطل..."٣.
ويقول ابن الحصار عليّ بن محمّد الأنصاري المتوفى سنة: (٦١١هـ) ٤: "إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أو عن صحابي يقول آية كذا نسخت كذا.
قال: وقد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر، قال: ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين، من غير نقل صحيح ولا معارضة بيّنة، لأن النسخ يتضمن رفع الحكم، وإثبات حكم تقرر في عهده ﷺ، والمعتمد فيه النقل والتاريخ، دون الرأي والاجتهاد. قال: والناس في هذا بين طرفي نقيض فمن قائل: لا يقبل في النسخ أخبار الآحاد العدول،
_________
١ الآية (٦٤) من سورة النساء.
٢ الآية (٣) من سورة الأعراف.
٣ انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم٤/ ٤٥٨.
٤ انظر ترجمة ابن الحصار في التكملة لوفيات النقلة للمنذري رقم: (١٣٥٩) وفيه أن زكي الدين ابن المنذري سمع منه كتابه في ناسخ القرآن ومنسوخه.
1 / 22
ومن متساهل: يكتفى فيه بقول مفسر أو مجتهد، والصواب خلاف قولهما) ١.
ولعلنا بهذا نكون قد اطلعنا على سورة صادقة عن خطورة هذا الموضوع وعلى مدى اهتمام العلماء به سلفًا وخلفًا.
ويأتي من بعدهم عالم معاصر وهو الشيخ عبد العظيم الزرقاني فيلخص ما ذكره العلماء في أهمية هذا الموضوع في كتابه مناهل العرفان، فيقول:
أوّلًا - هذا الموضوع كثير التعاريج متشعب المسالك طويل الذيل.
ثانيًا - هو مثار خلاف شديد بين العلماء الأصوليين القدامى والمحدثين.
ثالثا - أن أعداء الإسلام كالملاحدة والمستشرقين والمبشرين قد اتخذوا من النسخ أسلحة مسمومة طعنوا بها في صدر الدين الحنيف، ونالوا من قدسية القرآن واجتهدوا في إقامة الحجج البراقة ونشروا شبهاتهم ونالوا من مطاعنهم حتى سحروا عقول بعض المنتسبين إلى العلم من المسلمين فجحدوا وقوع النسخ.
رابعًا - أن إثبات النسخ يكشف النقاب عن سير التشريع الإسلامي، ويطلع الإنسان على حكمة الله تعالى في تربية الخلق وسياسته
_________
١ انظر: كلام ابن الحصار في الإتقان للسيوطي٢/ ٢٤.
1 / 23
للبشر وابتلائه للناس بتحديد الأحكام مما يدلّ بوضوح على أن مُحَمَّدٍ ﷺ النبيّ الأميّ، لا يمكن أن يكون مصدرًا لمثل هذا القرآن، إنما هو تنزيل من حكيم حميد.
خامسًا - بمعرفة ذلك يهتدي الإنسان إلى صحيح الأحكام وينجو عن نسخ ما ليس بمنسوخ حين لا يجد التعارض بين الآيتين، لذا اعتنى السلف بهذه الناحية يحذقونها ويلفتون أنظار الناس إليها ويحملونهم عليها. انتهى بتصرف١.
المؤلفون في هذا العلم قديمًا وحديثًا:
سبق أن قلنا، إن علماءنا الأجلاء قد أعطوا اهتمامًا بارزًا لموضوع النسخ، ويظهر ذلك من خلال مؤلفاتهم حيث لا نكاد نرى معظم مفسري القرآن إلا وقد اهتموا بموضوع النسخ وألفوا فيه.
يقول الزركشي في البرهان عن علم النسخ: "والعلم به عظيم الشأن وقد صنف فيه جماعة كثيرون منهم: قتادة بن دعامة السدوسي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو داود السجستاني، وأبو جعفر النحاس، وهبة الله بن سلامة الضرير، وابن العربي، وابن الجوزي، وابن الأنباري، ومكي وغيرهم"٢.
_________
١ انظر: مناهل العرفان٢/ ٦٩ - ٧١.
٢ انظر: البرهان للزركشي٢/ ٢٨.
1 / 24
ويورد الداودي في طبقات المفسرين أسماء أربعة وثلاثين كتابًا ألف في علم النسخ١ بيد أن معظم تلك الكتب مفقودة اليوم أو لم تظهر بعد من عالم المخطوطات. وأما المطبوعة منها فقليلة تعد بالأصابع.
وقبل أن نتعرف عليها وعلى مؤلفيها علينا أن نقدر اشتراك الإمام الشافعيّ في هذا العلم حيث يعتبر هو (من أوّل من تكلم في موضوع النسخ، وهو وإن لم يؤلف كتابًا مستقلًا في الموضوع لكنه ناقش نسخ القرآن ضمن رسالته على منهج علمي وأثبت وقوعه وبيّن مدلوله مستدلًا من الكتاب والسنة) ٢.
_________
١ انظر: طبقات المفسرين للداودي٢/ ٥٦٩ - ٥٧٠.
٢ انظر مناقشة الإمام الشافعي لموضوع النسخ في رسالته بتحقيق أحمد شاكر٢/ ٥٦٩ - ٥٧٠.
1 / 25
الكتب المطبوعة:
- معرفة الناسخ والمنسوخ، للإمام محمّد ابن حزم (ليس هو ابن حزم الظاهري المعروف) إنما هو شخص آخر توفي قبله بمائة وست وثلاثين سنة١. وهو أنصاري أندلسي محدث، لكنه مع جلالة قدره لدى المحدثين فقد وجدناه في كتابه يسرف في القول بالنسخ من غير أن يستند إلى أي دليل نقلي أو عقلي، وقد بلغ عدد الآيات المنسوخة عنده، بآية السيف فقط مائة وأربع عشرة آية في ثمان وأربعين سورة٢. وكتابه هذا مطبوع بمصر على هامش تفسير (تنوير المقباس) المنسوب إلى ابن عباس سنة: (١٣٨٠هـ) كما طبع أيضًا على هامش (تفسير الجلالين) ولم يؤرخ.
٢ - كتاب الناسخ والمنسوخ، للإمام أبي جعفر أحمد بن إسماعيل النحاس المرادي النحوي المتوفى سنة: (٣٣٨هـ) ٣ هذا الكتاب يعتبر من أفضل ما وصل إلينا من الكتب المتقدمة في علم النسخ وقد أجاد مؤلفه،
_________
١ وهو: محمّد بن أحمد بن حزم بن تمتام بن مصعب، ابن عمرو بن عمير بن محمّد بن مسلمة الأنصاري يكنى أبا عبد الله، مات قريبًا من سنة: ٣٢٠هـ. (ذكر ذلك عبد الرحمن بن أحمد الصيرفي) انظر: جذوة المقتبس للحميدي ص: ٣٩.
٢ انظر: معرفة الناسخ والمنسوخ في هامش تفسير ابن عباس ص: ٣١٦.
٣ ستأتي ترجمته بالتفصيل عند أوّل ذكر له في الكتاب إن شاء الله.
1 / 26
﵀، في عرض الآيات الناسخة والمنسوخة حيث أثبت ما ادعى فيه النسخ وعكسه بذكر الأسانيد غاليًا، ويقوم بترجيح دعوى النسخ أو الإحكام حينًا، وهو كثير ويقف موقف المحايد حينًا آخر. وذلك إذا وجد ما يرجح إحدى الطرفين أو يؤيد كليهما. ويورد ابن الجوزي في هذا الكتاب نقولًا كثيرة من كلام النحاس يعضد بها رأيه ويؤكد بها أحكام الآية، طبع هذا الكتاب بمصر سنة: ١٣٢٣هـ.
٣ - الناسخ والمنسوخ، للإمام هبة الله بن سلامة الضرير المتوفى سنة: (٤١٠هـ) ١، وهو مع شهرته لدى المفسرين ومكانته في أوساط العلماء، نراه يسلك مسلك ابن حزم في معالجة قضايا النسخ حيث أورد في كتابه مائة وأربع عشرة آية منسوخة بآية السيف، كما ذكر من الآيات التي ادعى فيها النسخ مائتين وأربعًا وثلاثين آية في خمس وستين سورة ولم يورد الأدلة والآثار إلا نادرًا، ولو أورد لا يذكر لها إسنادًا ولكنه ذكر في آخر كتابه أهم مصادره، بأسانيدها ومعظم تلك الأسانيد لا يخلو من المطاعن، وهو مطبوع بمصر سنة: (١٣٨٧هـ).
٤ - الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، للإمام أبي محمّد مكي ابن أبي طالب القيسي ﵀، المتوفى سنة: (٤٣٧هـ) ٢ وكتابه
_________
١ ستأتي ترجمته عند أوّل ذكر له في مقدمة المؤلف، إن شاء الله.
٢ اسم أبي طالب (أبيه) محمّد، ويقال له: حموش بن محمّد بن مختار أبو محمّد القيسي القيرواني الأصل النحوي اللغوي المقرئ كان إمامًا عالمًا بوجوه القراءات متبحرًا في علوم القرآن فقيهًا أديبًا متفننًا وكان راسخًا في علم القرآن ألّف في ذلك كتبًا كثيرةً، منها: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه. انظر معجم الأدباء١٩/ ١٦٧ - ١٧١.
1 / 27
المذكور جليل القدر لا ينقص في الفضل عن كتاب النحاس، إلا أنه مع قيامه بمعالجة وقائع النسخ معالجة جدّيّة، لا يتعارض إلى ذكر الأسانيد بل يكتفي بعزو الآراء إلى القائلين بها، ويرجح حينًا ما يرتضيه من الآراء مؤيدًا وجهة نظره. وقد حقّق هذا الكتاب فضيلة الدكتور أحمد حسن فرحات، وطبع بجامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية سنة: ١٣٩٦هـ.
٥ - الموجز في الناسخ والمنسوخ، للحافظ المظفر بن الحسين بن زيد بن عليّ بن خزيمة الفارسي ﵀، هذا الكتاب مطبوع في آخر كتاب النحاس سنة: ١٣٢٣هـ بمصر.
ولا نرى فيه إلا سردًا للآيات الناسخة وعدًا للآيات المنسوخة بغض النظر عن الأدلة. فهو إذًا كنسخة أخرى لكتابي ابن حزم وابن سلامة لا يغني من جوع، مع أن مؤلّفه مجهول لم أجد له ترجمة إلا في غلاف الكتاب، ويقول في آخر كتابه: "أنه استخرج هذا الكتاب من خمسة وسبعين كتابًا من كتب الأئمة المقرئين، رحمة الله عليهم، المنقول عنهم بالأسانيد الصحيحة"١.
_________
١ انظر: الصفحة الأخيرة ٢٧٦، من الكتاب المطبوع مع الناسخ والمنسوخ للنحاس.
1 / 28
٦ - الناسخ والمنسوخ، للإمام أبي عبد الله محمّد بن عبد الله الإسفرائيني العامري الشفعوي، ﵀، طبع هذا الكتاب في الأستانة، سنة: (١٢٩٠هـ) وألحق مع لباب النقول للسيوطي، ومؤلفه لم أعثر على ترجمته بعد فيما راجعت من كتب التراجم ويوجد اسمه المذكور على غلاف الكتاب، وهو أيضًا يورد أقوال النسخ عن العلماء بدون إسناد ربما يذكر آثارًا ولم يسند١.
هذه الكتب المتقدمة هي التي عثرت عليها مطبوعة حتى اليوم في علم النسخ في القرآن الكريم، وقد صدرت في الآونة الأخيرة عدة كتب في الموضوع، منها:
- النسخ في القرآن الكريم، للدكتور مصطفى زيد، ﵀، الأستاذ في قسم التفسير بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقًا، وهو كتاب جدير بالذكر والاهتمام، وقد تصدى فيه المؤلف لعرض الآيات المدعى عليها النسخ، وناقشها مناقشة جدية مفيدة مع ذكر الأدلة بالأسانيد، وقام برد وقائع النسخ التي لم تثبت عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ولم تنقل عن الصحابة بسند صحيح، وأبدى إثر كلّ آية وجهة نظره في دعوى النسخ حتى وصل إلى نهاية المطاف فعيّن بابًا خاصًا في وقائع النسخ في القرآن الثابتة بالأدلة الصحيحة وحصرها في ست آيات فقط٢. ومنها:
_________
١ انظر: فهرس مكتبة الأزهر١/ ١٩٥؛ والنسخ في القرآن الكريم فقرة (٥٤٩).
٢ انظر: النسخ في القرآن الكريم من فقرة ١٢٠٨ - ١٢٦٢، وهو مطبوع في مجلدين ببيروت سنة: ١٣٨٣هـ/١٩٦٣م.
1 / 29
- كتاب فتح المنان في نسخ القرآن، للشيخ عليّ حسن العريض مفتش الوعظ في الأزهر، وهو وإن لم يعالج الموضوع بشكل واسع وشامل إلا أنه عرض موضوع النسخ عرضًا تأريخيًا نقديًا ثم أورد في نهاية البحث بعض الآيات المدعى عليها النسخ فنقض معظمها لما يدعم رأيه مشيرًا بذلك إلى معظم ما ادعي فيه النسخ في القرآن دعوى بلا دليل١.
ومنها كتاب (نظرية النسخ في الشرائع السماوية) لفضيلة الدكتور شعبان محمّد إسماعيل المدرس بجامعة الأزهر٢.
وقد عالج موضوع النسخ في كتابه كنظرية فقط، ولم يتعرض لمناقشة قضايا النسخ في آية أو حديث من حيث الوقوع أو عدمه بل اكتفى بعرض أقسام سور القرآن باعتبار وجود النسخ فيها ثم نقل عن الإمام السيوطي الآيات التي يراها منسوخة في الإتقان. وجاء في نهاية المطاف فعقد بابًا تحت عنوان: (الآيات التي نسختها آية السيف) فأورد فيه خمسين آية ادعى فيها النسخ ابن خزيمة الفارسي في كتابه الموجز في الناسخ والمنسوخ، السالف ذكره٣ ولم يقم الدكتور شبعان بالمناقشة أو الاعتراض عليها بل تركها كقضية مسلمة لديه٤.
_________
١ طبع هذا الكتاب في مجلد واحد بمصر (١٣٧٣م).
٢ طبع هذا الكتاب في مطابع النجوى - عابدين - القاهرة، ولم يؤرخ.
٣ انظر فيما سبق ص: ٢٠.
٤ انظر: من كتاب (نظرية النسخ في الشرائع السماوية) ص: ١٧٠ - ٢٠٠.
1 / 30
ومنها: كتاب النسخ بين الإثبات والنفي، للدكتور محمّد محمود فرغلي، وهو يقع في مبحثين في مجلد واحد، يعالج فيه قضية النسخ من حيث الخلاف الحاصل بين المثبتين والنافين له ذاكرًا ما يثبت رأي كل مرجحًا ما يرجحه الدليل، بيد أنه لا يناقش وقائع النسخ من حيث وقوعه في آية ما أو عدم وقوعه١.
ومنها: (النسخ في الشريعة الإسلامية كما أفهمه) للشيخ عبد المتعال الجبري، وقد تصدى فيه مؤلّفه - هداه الله - إلى إنكار جميع وقائع النسخ في الإسلام، وهو رسالة صغيرة الحجم، ومن أبرز عناوينه:
١ - لا منسوخ في القرآن، ولا نسخ في السنة المنزلة.
٢ - أبدع تشريع قيل إنه منسوخ.
يناقش فيه بعض وقائع النسخ فينقض وينكر وقوعه في القرآن زاعمًا: أن فيه نسبة للجهل لله ﷾ هو منزه عن ذلك٢ كأنه في ذلك أراد أ، يتبع مسلك أبي مسلم الأصفهاني٣ - إن صح عنه ذلك
_________
١ طبع هذا الكتاب بمجلد واحد بمصر سنة: ١٣٩٦هـ/١٩٧٦م.
٢ طبع هذا الكتاب في مجلد واحد بمطبعة دار الجهاد بمصر سنة: (١٣٨٠هـ).
٣ وهو: أبو مسلم الأصفهاني المفسر اسمه: محمّد بن بحر المتوفى سنة: (٣٢٢هـ) وقد جمع الشيخ سعيد الأنصاري عالم من علماء الهند في كتابه: (ملتقط جامع التأويل لمحكم التنزيل) المطبوع بكلكتا سنة: ١٣٣٠هـ، الآيات التي أوّلها أبو مسلم لينفي أنها منسوخة.
1 / 31
- حيث قيل: إنه كان يرى جواز النسخ عقلًا وينكر وقوعه سمعًا، وقد أورد جماعة خلاف أبي مسلم بأنه كان خلافًا لفظيًا فقط، فقال ابن دقيق العيد: "نقل عن بعض المسلمين إنكار النسخ، لا بمعنى أن الحكم الثابت لا يرفع، بل بمعنى أنه ينتهي بنص دلّ على انتهائه، فلا يكون نسخًا"١.
وقد قام برد كل ما اقترحه الجبري في كتابه لإنكار النسخ، صاحب كتاب: (النسخ بين الإثبات والنفي) في خلال اثنتي عشرة صفحة وأجاد في ذلك فليرجع إليه من شاء٢.
وهناك بعض العلماء عالجوا وقائع النسخ بلا إفراط ولا تفريط، وذلك ضمن كتبهم المؤلَّفة في علوم القرآن.
فمنهم: عالم القرن العاشر الإمام جلال الدين السيوطي ﵀، حيث اختصر الآيات المدعى عليها النسخ في كتابه الإتقان في علوم القرآن إلى ما يقارب عشرين آية، وأنشد:
قد أكثر الناس في المنسوخ من عدد ... وأدخلوا فيه آيًا ليس تنحصر
وهاك تحرير آي لا مزيد لها ... عشرين حررها الحذاق والكبر
_________
١ انظر ما قاله الشوكاني عن رأي أبي مسلم في النسخ والرد عليه في إرشاد الفحول ص: ١٦٢.
٢ انظر: كتاب النسخ يبن الإثبات والنفي، في الرد على كتاب عبد المتعال محمّد من ص: ١١٢ - ١١٤، في القسم الأوّل منه.
1 / 32
فذكر تلك الآيات مع خلاف في بعضها١.
ومنهم الشيخ أحمد شاه ولي الله الدهلوي شيخ الحديث في الهند في زمانه، وصاحب كتاب حجة الله البالغة، المتوفى سنة: ١١٧٩هـ فقد ألف كتابًا في علوم القرآن باسم (الفوز الكبير) وأنكر فيه على كل من يسرف بالقول في النسخ، ثم اختصر وقائع النسخ في القرآن في خمس آيات فقط مبينًا الأدلة ووجهة نظره، بعد أن أورد الآيات التي ذكرها السيوطي في الإتقان ضمن المنسوخة، ونقض منها ما يرى فيه النقض٢.
ومنهم محمّد عبد العظيم الزرقاني، صاحب كتاب (مناهل العرفان) حيث أورد في كتابه بعض وقائع النسخ التي اشتهرت أنها منسوخة، وهي حوالي اثنتين وعشرين واقعة، وقام بالترجيح منها حوالي تسع آيات فقط٣.
تلك هي الكتب المطبوعة المعروفة لدينا حتى اليوم في علم النسخ في القرآن، وهناك رسائل أخرى صدرت حديثًا تناقش موضوع النسخ ولا داعي لذكرها هنا؛ لأنها - كما يبدو حسب اطلاعي - لم تأت بشيء جديد في الموضوع إنما هي إعادة لما كتب وذكر مسبقًا. والله أعلم.
_________
١ انظر: الإتقان في علوم القرآن٢/ ٢٣، المطبوع ببيروت ولم يؤرخ.
٢ طبع هذا الكتاب في مقدمة كتاب (إرشاد الراغبين) بدمشق سنة: ١٣٤٦هـ.
٣ انظر: مناهل العرفان٢/ ١٥٢ - ١٦١، المطبوع بمصر سنة: ١٣٦٢هـ بمطبعة عيسى الحلبي.
1 / 33