كتاب نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة عليهم السلام تأليف أبى جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري من أعاظم علماء الإمامية في المائة الرابعة تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي عليه السلام قم المقدسة PageV0MP001
هوية الكتاب الكتاب: نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة المؤلف: محمد بن جرير بن رستم الطبري الامامي تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام - قم المقدسة -.
برعاية: السيد محمد باقر نجل آية... السيد المرتضى الموحد الأبطحي الطبعة: الأولى العدد: (200) نسخة نموذجيا المطبعة: مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام التاريخ: ذو الحجة 1410 ه. ق.
حقوق الطبع: كلها محفوظة للمؤسسة تلفون: 33060 PageV0MP002
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا بلطفه إلى معرفته والايمان به، وعرفنا دينه القويم وكتابه وما أنزله على نبيه صلى الله عليه وآله وحببنا سبيله بجميل إحسانه، وأحيانا على التثبت بحبل أمانته، ووفقنا لخدمة تراث أهل بيت نبيه، وإحياء آثار رسالته.
والصلاة والسلام على من ختم به رسالته، وأكمل به دينه، محمد وآله المعصومين صلى الله عليه وعليهم أجمعين، ورحمته وبركاته المتواصلة على الذين اتبعوهم من المخلصين الأخيار، والموالين للنبي والأئمة الأطهار.
أما بعد: لما كانت المشيئة الإلهية في أن يعمر الأرض ويرثها أفضل خلقه، فقد جعل المولى الحق - وهو الخالق لكل شئ - عبادة الانسان له شرطا لذرئه إياهم فقال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ليكونوا النواة الصالحة للبشرية، والمخلصين لله بعبادته تعالى.
ولما كانت البشرية بحاجة إلى توجيه ورعاية إلهية خالدة، ولئلا تكون لهم الحجة على الله تعالى في معصيته، ولبيان الحقائق الضرورية ومختلف مقومات الحياة، فقد كان على الله تعالى - ومن فضل رحمته على عباده - أن لا يخلي الأرض من خليفة يصطفيه وينتجبه من خيار خلقه، ممن كان طاهر السريرة، عارفا بحقائق الأمور، كفوءا لحمل الرسالة، واعيا لظروف أمته وما تحيط به من السلبيات وشوائب السلف، وخاليا من أية عاهة أو نقص في الجسم والعقل والنسب، لكي لا يكون عرضة للشك والريب، ويستخلفه أمينا على وحيه، حافظا لحدود، متكفلا أداء رسالته مصطبرا على عبادته، صابرا على أذى قومه، يرغبهم في الطاعة ويحذرهم المعصية PageV0MP003
وينذرهم عواقب السيئات بما ينزل عليهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وبما أن هذه الدعوات الإلهية إلى المعارف الغيبية لا تحتملها علومهم الحسية، كما لا يحتملون مفاجأة الامر الجديد الذي يدعو إلى تغيير سلوك ما كانوا عليه، ولا تطيق إمرة شخص عليهم - من بينهم - دون اختيارهم، فكان على الرسالة السماوية أن تبرهن معجزة ظاهرة وآية باهرة، حتى يكونوا على بينة من أمرهم في تصديق الرسول صلى الله عليه وآله بما أتاهم عن الله تعالى، وينالوا جوابا لما يختلج في نفوسهم وتعارضه أفكارهم بقولهم: (فات بآية إن كنت من الصادقين).
فبعث - الله تعالى - أنبياء امناء إلى الأرض بالآيات البينات، والمعجزات الباهرات ليعرفوا البشرية آفاق الرسالة السماوية، ويبلغوهم المطالب النورانية، ويدعوهم إلى عبادة الواحد الأحد، ونبذ ما كانوا عليه من العبادات والتقاليد السقيمة البالية التي ورثوها.
ومن الضروري أن رسالات الأنبياء لا تختص باثبات وجود الصانع الذي لا تتوقف معرفته على إتيان المعجز والبراهين، لان الانسان السوي ذا الفطرة السليمة إذا نظر في آيات السماوات والأرضين وما بينهما من النبات والحيوان والانسان والماء والهواء وغيرها - خلقا ونظاما - يستدل بفطرته تلك على أن هذه كلها بقدرة حكيم قوي، صانع عليم، لا يقاس علمه وحكمته وقدرته بما يصنعه الانسان -. الذي خلق ضعيفا - مهما بلغ من درجات العلم والكمال فلا يكون إلا كما قال تعالى: " إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " وقوله: " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ".
وبعد هذه النظرة الواقعية، تنادي الفطرة مستنكرة ومتمثلة بما ذكره تعالى في محكم كتابه: " أفي الله شك فاطر السماوات والأرض " ثم تجيب: لا، بل تسبح له ما في PageV0MP004
السماوات والأرض، وإنه إله إلا هو خالق كل شئ وهو على كل شئ قدير.
وبالجملة فرسالات الأنبياء لا تنحصر بمثل إثبات الخالق بل تتعداها إلى أنواع المعارف الإلهية، وغيبه وأحكامه وثوابه وعقابه في يوم القيامة، يوم يحيي فيها الموتى بعد ما صارت العظام رميما.
ومن غرائب النفوس البشرية البسيطة، أنها قاصرة عن إدراك تلك المعارف الغيبية - قبل أن تشاهدها - إلا بدلائل صدق مدعيها عقلا، فالعقل يحكم بضرورة إتيان المعجزة وبأن من أتى بها حقا فهو صادق في دعواه بالرسالة منه تعالى.
كما مر على الأمم السالفة كذلك، وينطق القرآن الكريم بما يحكيه لنا من قصص ثلة من الأنبياء مع أممهم ولقد قالوا لهم: إئتونا بآية! فجاءوهم بآيات بينات، فهذه الفطرة باقية، والسنة جارية وحجة الله بالغة إلى يوم القيامة، وهذه مشيئة الباري تعالى - بالنسبة إلى عامة الأنبياء - في تعزيز رسالته بالقوة الدامغة والبراهين الساطعة بواسطة أنبيائه وأوصيائهم عليهم السلام.
وأما خاتمهم إلى آخر الدهر فهو أفضل الأنبياء، وأكملت رسالته بخير الأوصياء - علي وبنيه - الأئمة والقادة المعصومين، الذين خلقهم تعالى من نوره قبل أن يخلق الخلق، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فهم الادلاء عليه سبحانه، كما أعطاهم من الفضل وكثرة الكرامات ما لم يعط أحدا قبلهم، ووهبهم المعجزات وسخر لهم كل شئ باذنه تعالى، ليظهر بهم دينه حتى تقوم الساعة ولو كره الكافرون.
فإذا كان (آصف بن برخيا) الذي آتاه الله تعالى علما من الكتاب، أتى بعرش بلقيس قبل أن يرتد الطرف، فحقيق على الله تعالى أن يطلع من أنباء الغيب من عنده علم الكتاب الأئمة الأطهار الاثني عشرة عليهم السلام بواسطة نبيه محمد صلى الله عليه وآله كما قال تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) والرسول الكريم بدوره أطلع الأئمة بما أنبأه الله تعالى إماما بعد إمام، والأئمة كلهم واحد، وأولهم وآخرهم واحد، كما قال الصادق عليه السلام: " المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا " وقال: من " أنكر واحدا من الاحياء فقد أنكر الأموات ". PageV0MP005
والحق أن ما أعطوا من الكرامات والمعجزات الإلهية التي كانت تبرهن إمامتهم لمن كان يجحدها أو بشك فيها ولحكمة تقتضي أن يظهرها الأئمة عليهم السلام، قد أبهرت عقول البشرية وحيرتهم في الاتيان بوصف كنههم عليهم السلام.
ورغم تلك البراهين الساطعة الدالة على نبوة الأنبياء ورسالتهم - بلا إكراه ولا جبر - فقد يتمادى بعض الضالين والطغاة بغيهم، فينالوا جزاءهم:
" ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ".
وقد أشار إليهم القرآن المجيد في مواضع كثيرة من قصص الأنبياء.
ومن نتائج التاريخ المظلم، والظروف العصيبة القاسية والملابسات التي أحاطت بحياة ووضع الأئمة عليهم السلام وجور الحكام الظالمين، وحقد الحاقدين، وحسد الحاسدين، ومخالفة المخالفين، ووضع الوضاعين وأصحاب البهتان والزور أن كل ما ظهر من خوارق العادات والآيات الباهرات من النبي والأئمة الأطهار حسب الضرورات، لم يصل إلى عصرنا عصر النشر والنور والمعرفة.
نعم لقد وصلنا من تراثهم في المعجزات النزر اليسير الذي حافظ عليه موالوهم من الشيعة وغيرهم ممن حرص على كتابته وطبعه ونشره.
وقد أخذت مؤسستنا الموقرة على عاتقها - حرصا منها - جمع ونشر علوم وآثار أهل البيت ومعجزاتهم عليهم السلام كما هو دأبها.
وقد نشرت كتاب (الخرائج والجرائح) للشيخ الفقيه المحدث قطب الدين الراوندي الذي تضمن معجزات النبي والأئمة عليهم السلام. PageV0MP006
والآن - عزيزي القارئ - بين يديك هذا السفر المتواضع في حجمه، والعظيم في محتواه، المسمى ب " نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة عليهم السلام ".
تأليف الشيخ الجليل أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب دلائل الإمامة.
وقد حرصنا في تحقيقه بكل دقة وأمانة، لاخراجه بالشكل اللائق ووضعه بين يدي القراء الأعزاء، لعلهم ينتهلون من فيوضات الآثار التي خلفها لنا أئمتنا الأطهار عليهم السلام باظهار فضلهم وكراماتهم على الله تعالى وعلو شأن شيعتهم لديهم.
وورثها العلماء الأمناء وحفظوها تراثا وحجة لمن سواهم.
وغير خفي أن حفظ الآثار خلفا عن أسلافنا الأبرار وأداء الأمانة والرسالة الحديثية منهم لا يوجب الالتزام بصحة جميعه، بل إن هذا كأحد الكتب الموروثة - سوى القرآن - يحتاج إلى تحقيق وتثبت أكثر.
وإنما غرضنا العثور على جامع كبير لآثارهم عليهم السلام في كل موضوع، راجين المولى العلي القدير أن يوفقنا للسير على هداهم، وأن يلهمنا بصيص أنوار علومهم ويكلل مساعينا لخدمة نشر معارفهم وآثارهم بالتوفيق والسداد، إنه ولي التوفيق. PageV0MP007
التعريف بالنسخة ومنهج التحقيق:
بفضل الله تعالى ومنه اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على نسخة فريدة وقعت بأيدينا بعد عناء وجهد طويلين، ولم نعثر على ما سواها.
وقد كانت تلك النسخة كثيرة السقط والخطأ والبياض، بالإضافة إلى ضعف خطها.
وقد قابلنا هذا الكتاب - الوحيد - الذي اعتبر التوأم لكتاب دلائل الإمامة - لنفس مصنفه - مع مصادره والبحار كما هو المألوف، لدينا لاثبات متن صحيح وقويم للخبر، بعد إجراء التعديلات اللازمة، والإشارة في الهامش إلى كل اختلاف لفظي ضروري.
وطبيعي أن مثل هذا يحتاج إلى تكرار المقابلة من قبل مجموعات مختلفة مستخدمين العدسة المكبرة، وتخريج المصادر والمتحدات وبالأخير تقويم النص.
كما أشرنا مفصلا إلى المصادر والاتحادات لكل حديث في نهايته، واعتمدنا على المصادر اللغوية لشرح أكثر الألفاظ اللغوية شرحا موجزا.
ووضعنا ترجمة لثلة من الاعلام التي وردت في أسانيد الروايات ومتونها خصوصا تلك التي ورد فيها تصحيف أو تحريف، معتمدين على كتب الرجال والتاريخ المعتبرة والقيمة.
وكذلك الحال لأسماء الأماكن والبقاع والأقوام والفرق والقبائل.
علما بأن ما كان بين [] دون إشارة في الهامش فهو مما استظهرناه أو أثبتناه من سائر المصادر أو بعضها.
وختاما فإني أشكر جميع الإخوة الأفاضل العاملين في مؤسستنا، الذين آزرونا وتعاونوا في إخراج هذا المستطاع.
كما نشكر السيد باسم الموسوي الذي قام بتقويم النص ابتداءا بعد الاستنساخ والمقابلة والتصحيح واستخراج المصادر والاتحادات، وقبل الخوض في مراحل التأكيد والتدقيق والتحقيق والتوضيح. PageV0MP008
بسم الله الرحمن الرحيم ترجمة المؤلف:
هو أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي، من كبار علماء الإمامية في القرن الرابع الهجري، وهو من الأصحاب الاجلاء، جليل القدر، دين، كثير العلم، حسن الكلام، ثقة في الحديث، وله كتاب " غريب القرآن " ذكره ابن النديم (ص 52) لدى ذكره الكتب المصنفة في غريب القرآن، معبرا عنه ب " أبي جعفر بن رستم الطبري ".
وقد اختلف المؤرخون في تحديد عصره ومعاصريه وفي نسبة التصنيف إليه فقد لقبوا بهذا الاسم: الكبير والصغير والمتأخر والسمي.
وقد وصفه صاحب الذريعة عند ذكره " نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة عليهم السلام بمحمد بن أبي جعفر بن رستم أبي جعفر الآملي الطبري الكحي كوهي " الصغير في قبال الطبري الكبير الامامي صاحب المسترشد المعاصر للطبري المؤرخ المتوفى سنة 310 ه.
ويروي المؤلف عن أبي الفضل الشيباني، وعن أبي الحسين بن محمد بن هارون التلعكبري، وعن أحمد بن محمد الجوهري " صاحب مقتضب الأثر " وعن أبي التحف علي بن إبراهيم المصري (1).
ووصفه الشيخ الطوسي في الفهرست بالكبير وثناه النجاشي بالإمامي، وقد ذكرا له كتاب المسترشد في الإمامة (2) يروي عنه الشريف أبو محمد الحسن بن
صفحہ 1
حمزة المرعشي الطبري المتوفى سنة 538 ه، وهو معاصر لسميه محمد بن جرير ابن يزيد الطبري العامي، صاحب التاريخ والتفسير الكبير بن المولود سنة 224 ه والمتوفى سنة 310 ه على ما في فهرس ابن النديم (1).
وقد ترجم الشيخ الطوسي والنجاشي لهذا العامي مصرحين بأنه عامي، وأنه ألف التاريخ والتفسير الكبير بن، كما ترجما للإمامي الكبير مؤلف " المسترشد " ولكنهما لم يترجما لمحمد بن جرير المتأخر مؤلف " دلائل الإمامة " والذي كان معاصرا لهما، والدليل على ذلك عدة أمور:
1 - روايته في كتابه " دلائل الإمامة " عن كثير من مشايخهما منهم: أبو عبد الله الحسين ابن إبراهيم بن علي (عيسى خ ل) المعروف بابن الخياط القمي من مشايخ الشيخ الطوسي، ومنهم: محمد بن هارون بن موسى التلعكبري المتوفى سنه 387 ه الذي يروي عنه النجاشي عن والده التلعكبري، كما يروي الشيخ الطوسي عن أخيه الحسين ابن هارون بن موسى عن والده، ومنهم: أبو المفضل الشيباني المتوفى سنة 385 ه الذي أدركه النجاشي أيضا ولكنه امتنع عن الرواية عنه إلا بواسطة، لرعاية الاحتياط.
ومنهم: أبو عبد الله الحسين بن الغضائري.
2 - روايته عن جمع ممن يروون عن الصدوق أبي جعفر بن بابويه، كما يروي الشيخ والنجاشي عن جمع ممن يروون عن الصدوق أيضا، كما أن الشيخ الطوسي والنجاشي وصاحب دلائل الإمامة يروون جميعا عن جمع ممن يروون عن التلعكبري.
3 - أنه ألف " دلائل الإمامة، بعد سنة 411 ه التي توفي فيها ابن الغضائري وهو شيخهم جميعا، فإنه عند ذكر معجزة صاحب الزمان عليه السلام ص 300 من المطبوع قال:
" نقلت هذا الخبر من أصل بخط شيخنا أبي عبد الله الحسين بن الغضائري (ره).
فيظهر وفاته قبل النقل عن خطه.
صفحہ 2
مع أن ترك الشيخ الطوسي والنجاشي ترجمتهما له في كتابيهما لا يدل على عدم وجوده.
فإنهما قد تركا ترجمة جمع من المصنفين الاجلاء المعاصرين لهما مثل:
1 - الكراجكي المتوفى سنة 449 ه.
2 - سلار بن عبد العزيز تلميذ الشيخ المفيد المتوفى سنة 413 ه.
3 - القاضي عبد العزيز بن براج تلميذ الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 ه.
4 - الشيخ محمد بن علي الطرازي مؤلف " الدعاء والزيارة ".
وغير هؤلاء ممن ذكرهم الشيخ منتجب الدين بن بابويه المتوفى 385 ه في فهرسه أو لم يذكرهم الشيخ منتجب الدين أيضا كالطرازي المذكور، والطبري صاحب الدلائل هذا وغيرهما ممن ضاعت عنا أسماؤهم وآثارهم.
والمراجع لأسانيد روايات هذا الكتاب يظهر له أن المؤلف يرويها على ثلاثة أنحاء:
الأول: ما رواه عن مشايخه الذين تحمل عنهم الحديث بالإجازة أو القراءة أو السماع، حتى صح له أن يقول: حدثنا، أخبرنا، حدثني، أخبرني، وهؤلاء الذين صدر الرواية عنهم بقوله: حدثني، أخبرني، هم مشايخه لا محالة. وإذا نظرنا فيهم رأينا أن بعضهم من مشايخ النجاشي المتوفى سنة 450 ه خاصة، وبعضهم من مشايخ الطوسي المتوفى سنة 460 ه خاصة، وبعضهم من مشايخهما معا، وبعضهم ممن يختص به مؤلف دلائل الإمامة ولا يروي الطوسي والنجاشي عنه كأبي طاهر عبد الله الخازن، كما وقع في (ص 93 و 239) من الدلائل المطبوع، ويروي أبو طاهر في كلا الموضعين عن أبي بكر محمد بن سالم القاضي الجعابي المتوفى سنة 355 ه - كما أرخه في تاريخ بغداد -.
فظهر أن أبا طاهر شيخ صاحب الدلائل مع الشيخ المفيد (ره) الذي هو أستاذ الطوسي والنجاشي كانا في طبقه واحدة لروايتهما عن القاضي الجعابي.
صفحہ 3
كما أن صاحب الدلائل مع الطوسي والنجاشي كانوا في طبقة واحدة لاشتراكهم في مشايخ كثيرة.
فظهر أنه قد سقط اسم الشيخ صاحب الدلائل عن أول السند الموجود في النسخ الناقصة منه، فان الموجود هكذا: أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي مع أنه بقرينة السندين المذكور بن في (ص 93 و 239) يكون هكذا:
وحدثني أبو طاهر عبد الله بن أحمد الخازن، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عمر ابن سالم التميمي الجعابي.
فرواية صاحب الدلائل عن الجعابي بالواسطة في الموضعين دليل على سقوط أول السند فيما وصل إلينا منه، كما سقط في أول الكتاب إلى هذا الحد.
وقرينة أخرى على ذلك أن السيد ابن طاووس روي في " أمان الاخطار " عن محمد بن جرير بن رستم، عن أبي طاهر عبد الله بن أحمد الخازن، عن أبي بكر محمد ابن عمر القاضي الجعابي، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة المتوفى سنة 323 ه (كما ذكر).
الثاني: ما رواه برفع الحديث إلى رجل معين متقدم عليه كقوله: روى جميل ابن دراج، روى إبراهيم بن هاشم، روى الحسين بن علاء، روى الحسن بن علي الوشاء، روى الهيثم النهدي، روى عباد بن سليمان، روى أبو حامد السندي.
وقد ذكر الثلاثة الأخيرة في (ص 191) من المطبوع، وغير هؤلاء من القدماء فيحتمل أنه وجد الرواية في كتبهم أو وصلت إليه الرواية مسندة فأرسلها هو اختصارا.
الثالث: ما رواه عن رجل متقدم بعنوان (قال). فجاء في ص 31 [قال الصفواني] وفي ص 182 [قال أبو عبد الله المرزباني] وجاء مكررا [قال أبو جعفر بن بابويه] وأمثال هؤلاء ممن لم يلقهم، فإنه يروي عن الصفواني والصدوق بواسطة النقيب أبي محمد الحسن بن أحمد المحمدي، فروايته عنهم يقال رواية عن كتابهم.
صفحہ 4
الرابع: ما رواه بعنوان [قال أبو جعفر] ومراده فيه مختلف في الموارد.
ففي كثير من الروايات أن مراده (من أبي جعفر) هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الذي يروي غالبا عن سفيان بن وكيع بن الجراح الرواسي الكوفي المتوفى سنة 247 ه، عن أبيه، عن الأعمش كما في الصفحات (66 و 67) من المطبوع، وعن أبي محمد عبد الله بن محمد البلوي كما في الصفحات (65، 66، 74، 75، 84، 85 و... وغيرها) والبلوي يروي عن عمارة بن زيد، وعن محمد بن الحسن بن عبد الله الجعفري المذكور في رجال النجاشي.
وفي بعض الموارد مراده - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري - الذي كان من أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السلام المستشهد سنة 260 ه، ويخاطبه الامام بقوله:
[يا بن جرير] كما في (ص 224 و 225) وقد يريد بأبي جعفر، محمد بن جرير بن يزيد العامي المؤرخ والمفسر المتوفى سنة 310 ه فإنه يروي في (ص 30) عن القاضي أبي إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر بن سهيل بن حمران الدقاق.
ومن المعلوم أن إبراهيم بن مخلد هو من مشايخ النجاشي ويروي عن أبيه مخلد وهو بدوره يروي عن محمد بن جرير المؤرخ.
فصاحب الدلائل يروي عن سميه المؤرخ بواسطتين هما: إبراهيم وأبو مخلد.
وكذا يروي عن سميه الاخر الكبير مؤلف المسترشد بثلاث وسائط.
فان صاحب الدلائل يروي عن الصدوق بواسطة واحدة وهو الشريف الحسن بن أحمد المحمدي، والصدوق يروي عن صاحب المسترشد بواسطة واحدة كذلك وهو محمد بن إبراهيم الطالقاني.
ثم إن مؤلف الدلائل معاصر للنجاشي وهو مع أن له الاسناد العالية لم يحصل له طريق الرواية عن صاحب المسترشد إلا بواسطتين، فلا يصح دعوى رواية مؤلف الدلائل عن مؤلف المسترشد بدون واسطة، وبما أن النجاشي يروي بعدة طرق عن الكليني المتوفى سنة
صفحہ 5
329 ه بواسطتين، يظهر أن مؤلف المسترشد كان متعاصرا مع الكليني (تقريبا) ولم يكن ممن أدرك أحد الأئمة عليهم السلام ظاهرا، فإنه لو كان كذلك لكان الطوسي والنجاشي قد ذكرا ذلك كما هو ديدنهما.
وعلى هذا فمؤلف المسترشد غير ابن جرير الذي خاطبه الإمام العسكري عليه السلام ثلاث مرات ضمن قصة المعجزات التسع الواردة في " مدينة المعاجز " بقوله: يا بن جرير.
إذ يستبعد بقاء من خاطبه الإمام العسكري عليه السلام المستشهد سنة 260 ه إلى عهد الكليني، فالمخاطب هو سمي آخر لمؤلف المسترشد.
وأيضا كان مؤلف المسترشد معاصرا لحسين بن روح (ره) المتوفى سنة 326 ه لأنه يروي عنه من أدرك الحسين بن روح، وهو أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني الذي هو من مشايخ الصدوق... رحمهم الله، والطالقاني هذا روى عن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب المسترشد الحديث الموجود في نسخة المسترشد.
والصدوق (ره) روى هذا الحديث بعينه عن محمد بن إبراهيم الطالقاني، عن محمد بن جرير الطبري في باب الثلاثة من كتاب " الخصال ".
وروى عن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن جرير الطبري أيضا في المجلس الخامس من " أماليه " في كيفية ورود فاطمة عليها السلام إلى المحشر، وابن جرير في هذا السند يروي عن أبي محمد الحسن بن عبد الواحد الخزاز، عن إسماعيل بن علي السندي.
وفي المجلس 63 من " أمالي الصدوق " أيضا محمد بن إبراهيم، عن محمد بن جرير، عن الحسن بن محمد، عن محمد بن عبد الرحمان المخزومي، ورواية أخرى لمحمد بن جرير، عن الحسن بن محمد، عن الحسن بن يحيى الدهان، وقال نفسه في المسترشد: حدثنا أحمد بن مهدي، وقال أيضا: أخبرني الحسن بن الحسين العرني
صفحہ 6
وبالجملة فصاحب الترجمة هو: محمد بن جرير " الكبير " في طبقة سميه المتوفى سنة 310 ه وهؤلاء مشايخه، ومنهم أيضا أحمد بن رشيد كما في المجلس 47 من " الأمالي ".
وأما محمد بن جرير " المتأخر " فهو يروي في كتابه " الإمامة " عن القاضي أبي الفرج المعافا النهرواني الذي كان أوحد عصره في مذهب محمد بن جرير المؤرخ والمفسر في سنة 377 ه كما ذكره ابن النديم. والمعافا يروي عن محمد بن أحمد بن محمد ابن أبي الثلج المتوفى سنة 325 ه، وهو من أصحاب أبي جعفر محمد بن جرير المؤرخ والمفسر كما ذكره ابن النديم.
وأما نسبة ابن النديم " المسترشد " إلى ابن جرير المؤرخ والمفسر، فهي إما من اشتباهه في اسم المؤلف، أو أن " المسترشد " الذي للطبري صاحب التفسير هو كتاب آخر مشارك مع الموجود في الاسم.
كما أن ابن طاووس في كتاب " اليقين " و " الطرف " روى عن " مناقب أهل البيت عليهم السلام " عدة أحاديث وجزم بأنه لابن جرير المؤرخ والمفسر وهو غير واضح، بل الظاهر أن " مناقب أهل البيت " لصاحب الترجمة، وهو مرتب على الحروف من أسماء من روى ابن جرير عنهم.
وفي باب الياء ذكر روايته عن يوسف بن علي البلخي، كما ذكره ابن طاووس في " الطرف "، و " المناقب " هذا غير " مناقب فاطمة عليها السلام " الذي ينقل عنه السيد هاشم البحراني في " مدينة المعاجز " فإنه لمحمد بن جرير الصغير المتأخر عن هذا الكبير والمعاصر للطوسي والنجاشي والمشارك معهما في جملة من المشايخ.
ثم إنه من المحتمل جدا أن الطبري صاحب الترجمة كان معاصرا للطبري صاحب التاريخ والتفسير، وأنه هو الطبري (الكبير) الذي أدرك أبا محمد الحسن العسكري عليه السلام ورأي منه تسع معجزات وعبر عنه ب (الحسن بن علي السراج) وقد خاطبه الإمام عليه السلام
صفحہ 7
بقوله: يا بن جرير، وأنه رأى خط الامام بهلاك الزبير بن جعفر المتوكل بعد ثلاثة أيام. وأنه روى عن علي بن محمد بن زياد الصيمري وهو من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام.
وأن محمد بن جرير الطبري صاحب " دلائل الإمامة " وهو الصغير والذي ذكر فيه المترجم له قائلا: " قال محمد بن جرير الطبري: رأيت الحسن بن علي السرج ".
وقد رواها السيد البحراني التوبلي في " مدينة المعاجز " ووصف - مؤلف هذا الكتاب - بقوله:
الطبري محمد بن جرير الآملي، كثير العلم، حسن الكلام إلا أنه زعم كونه محمد بن جرير الامامي " صاحب المسترشد " وأقول: لعل هذا الخلط منشأه عدم وجود ترجمة ل (محمد بن جرير الطبري) المتأخر في أصولنا الرجالية على ما عندي.
ثم اعلم أن أول من عثرنا على أنه نقل من هذا الكتاب هو السيد علي بن طاووس المتوفى سنة 664 ه، ثم السيد هاشم البحراني، كما أنه نقل بعض رواياته الشيخ المجلسي (ره) المتوفى سنة 1110 ه في بحار الأنوار وكذا غيره من المتأخرين.
وأخيرا نقول: إن صاحب الترجمة قد جمع بعضا مما ألفه من كتب شتى ونوادر في مناقب ومعجزات الأئمة الأطهار عليهم السلام وعلومهم واحتجاجاتهم، مما لا يستغني عنها الباحثون وطالبو الحق والحقيقة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وصلوات الله على محمد وآله رسولا وإماما.
صفحہ 8
مقدمة المؤلف:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي الحمد لله الذي نور قلوبنا بهداية محمد، وشرح صدورنا بولاية علي وصلى الله عليهما وعلى آلهما المعصومين المنصوصين صلاة دائمة إلى يوم الدين.
اما بعد، فان الله سبحانه وتعالى لما أبدع العالم وذر الناس وبسط لهم أرزاقهم أوجبت حكمته أن يدعوهم إلى معرفة خالقهم، وعبادة رازقهم، واقتضى عدله أن أمرهم بالعدل والاحسان، ونهاهم عن الفحشاء والمنكر والبغي، لا لحاجة منه سبحانه إلى ذلك، بل لحاجة خلقه إلى ما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة.
فأرسل إليهم رسله صلى الله عليهم مبشرين ومنذرين، وبعث فيهم حججه والداعين إليه، والناطقين عنه، ليبصرهم الرشد، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى الصراط المستقيم.
وجعلهم (صلوات الله عليهم) كاملين معصومين، قادرين عالمين بما كان وبما يكون، ليقيموا للناس البراهين الساطعة، والدلائل الواضحة، وليظهروا القدرة الباهرة، والمعجزة التامة التي تشهد بصدق قولهم: أنه من قبل الصانع القديم الأزلي رب العالمين، خالق السماوات والأرضين جلت عظمته.
ولو لم يجعلهم كذلك - قادرين كاملين عالمين معصومين - لم تبد من أولهم
صفحہ 9
وأوسطهم وآخرهم القدرة الباهرة، والمعجزة التامة، والبراهين الساطعة، والدلائل الواضحة، والعلوم الكاملة [و] ما اتبعهم أحد، [و] ما آمن بهم نفر ولصارت أمور الخلق داعية إلى البوار وذهاب الحرث والنسل.
وشاهد ذلك قول الله عز وجل: (فلله الحجة البالغة) (1) والحجة البالغة هي الرسل والأئمة عليهم السلام، الذين احتج الله تعالى بهم على الملائكة والجن والانس.
والحجة البالغة - فيما وصف الله تعالى من حجته - حجة لا تخلو من أن تكون بالغة من بعض الاحتجاج، وفوقها ما هو أبلغ منها وأتم وأكمل في كل الاحتجاج.
وأن تكون " بالغة " في كل الاحتجاج حتى لا يكون فوقها تام هو أتم منها.
ولاكمال هو أكمل من صفاتها، فان كانت بالغة في بعض الاحتجاج دون بعض.
وفوقها ما هو أتم وأكمل منها، فهي حجة ناقصة عن حدود التمام والكمال.
ثم لا يخلو الحكيم القادر عز وجل من أن يكون قادرا على الاحتجاج على خلقه في الأتم والأبلغ والأكمل ، أو أن يكون غير قادر على ذلك، فإن كان غير قادر - ونعوذ بالله من هذا القول - لزم أن يكون مخصوص القدرة، ومعتل الحكمة، فيكون قادرا على الشئ عاجزا عن غيره، حكيما في شئ غير حكيم في غيره.
وهذه صفات خارجة عن (2) صفات أفعال الحكيم، لأنها كلها توجب الاضطرار فيما عجز عنه وغفل عن الحكمة فيه، ولا يوجب هذا ممن أقر بالصانع القديم إلا جاهل عمي، وغافل غوي.
فإن كان قادرا على الاحتجاج بالأتم والأكمل لزم في حكم الحكمة وتمام القدرة أن يحتج على خلقه بكمال حجة، وتمام دعوة.
وقوله (3): (فلله الحجة البالغة) يوجب أنه ليس فوقها أبلغ ولا أتم ولا أكمل
صفحہ 10
منها، وأنها بالغة التمام والكمال في جميع وجوه الاحتجاج.
ويوجب (١) باضطرار - لا محيص عنه - أن حججه والداعين إليه والناطقين عنه عليهم السلام معصومون، قادرون على كل شئ، عالمون بما كان وبما يكون إلى آخر الزمان.
وإذ أثبت ولزم أن نبينا صلى الله عليه وآله بهذه الصفة في العصمة والكمال والقدرة، وأن الأنبياء الذين أرسلهم الله قبله كانوا بهذه الصفة، وكذلك أوصياؤهم الذين هم حجج الله في أرضه، لزم أن يكون الأئمة الذين يقومون مقام نبينا - صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين كذلك يشاكلونه في العصمة والكمال والقدرة وما شاكل ذلك.
وأن لافرق بينه - صلى الله عليه وآله - وبينهم صلوات الله عليهم إلا رتبة النبوة، ليكون الدين كاملا، والحجج بالغة في كل الاحتجاج، قال الله تعالى:
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/5/3" target="_blank" title="المائدة: 3">﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي﴾</a> (٢) الآية.
وكمال الدين يكون بكمال الحجة، وأن تكون بالغة في جميع الاحتجاج.
ثم وجب أن يكون القيم بأمر الدين بعد الرسول صلى الله عليه وآله من اختاره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله، فان من تختاره الأمة يكون خارجا عن حد الكمال، داخلا في حد النقصان.
وليس للأمة اختيار الإمام مع قول الله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/33/36" target="_blank" title="الأحزاب: 36">﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم﴾</a> (٣) [و] مع قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/33/6" target="_blank" title="الأحزاب: 6">﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾</a> (4).
وإذا لزم وثبت أن الأئمة الطاهرة من عترة نبينا صلى الله عليه وآله، الذي هو سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله هم الحجج البالغة لله سبحانه في أرضه، ثبت لهم صحة المعجزات التامة، والقدرات الباهرة، والبراهين الواضحة، التي كانوا يحتجون بها
صفحہ 11
على عباد الله، ويظهرونها (1) لهم كما كانت الأوصياء وخلفاء الأنبياء الذين تقدموا نبينا - صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين - الذي هو سيدهم لأولهم وآخرهم أظهروها للأمم السالفة واحتجوا بها عليهم، على ما قصها الله تعالى إلى خيرته في محكم كتابه [فحكى] (2).
عن وصى سليمان عليه السلام الذي كان عنده علم من الكتاب فأتى بعرش بلقيس من سبأ إلى مقام سليمان عليه السلام بيت المقدس - مسيرة خمسمائة فرسخ - قبل أن يرتد إليه طرفه.
وكان هذا الوصي آصف بن برخيا وهو ابن عمه ووصيه وزوج ابنته. (3) هذا يوجب فضل نبينا صلى الله عليه وآله على جميع الأنبياء عليهم السلام، وكان فضل أوصيائه على كافة أوصياء الأنبياء الذين كانوا قبل نبينا صلى الله عليه وآله [كفضله عليهم] (4) وعلى جميع المرسلين.
والمشهور من معجزات يوشع بن نون بن إفرائيم (5) بن يوسف الذي كان وصي موسى عليه السلام، أنه كان في بعض غزواته فعن (6) له ما أعجزه عن صلاة العصر في وقتها حتى غربت الشمس، فتكلم عليه السلام بكلمات فرد الله الشمس إلى المكان الذي يصلي فيه العصر، فصلى هو ومن معه من المؤمنين، وهذا مما لا يختلف فيه لشهرته بين أهل العلم. (7) ووصى المسيح عليه السلام هو شمعون الصفا عليه السلام، وكان يبرئ الأكمه والأبرص ويأتي بالمعجزات والبراهين التي كان يظهرها المسيخ عليه السلام على ما اتفقت عليه روايات أصحاب الحديث، وكان معه شيعته الصديقون، فمن آمن به فهو مؤمن ومن جحده [كان] كافرا، ومن شك فيه كان ضالا. (8)
صفحہ 12
ودانيال عليه السلام كان وصي منذر بن شمعون فأخذه وأصحابه من المؤمنين (1) بختنصر وكان ملكا كافرا عنيدا خبيثا، وأمر أن يتخذ لهم أخدود فيه النار، ثم أمر بدانيال عليه السلام وأصحابه المؤمنين أن يلقوا في النار، فلم تحرقهم النار، فلما رأى أن النار لا تحرقهم أمر أن يطرحوا في جب فيه السباع، فلاذت السباع بهم وتبصبصت حولهم. فلما رأى تلك الحال عذبهم بأنواع العذاب فخلصهم الله منه، وأدخلهم جنته، وضرب الله تعالى مثلهم في كتابه فقال: (قتل أصحاب الأخدود * النار) (2) الآية.
إلا أن الذين انقلبوا على أعقابهم - على ما قصه الله تعالى في محكم كتابه (3) - واختاروا أئمتهم بعد النبي صلى الله عليه وآله - وعدلوا عمن نصبه الله ورسوله - ومالوا إليهم بمشاكلتهم إياهم في النقص وقلة الفهم لينالوا من دنياهم، ولما رجوهم من الارتقاء إلى درجتهم الدنياوية بعدهم، وأحلوهم عندهم محل الأئمة الطاهرين المعصومين الكاملين القادرين الذين جعلت (4) إليهم الإمامة بالنصوص.
أنكروا معجزات الأئمة في شريعة نبينا صلى الله عليه وآله خصوصا لئلا يطالب أحدهم بإقامة معجزات، وإظهار برهان ودليل، وأرادوا إطفاء نور الله بأفواههم وأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون.
صفحہ 13
فلما وجدت ذلك كذلك، حاولت أن أؤلف مما أظهروه من المعجزات، وأقاموه من الدلائل والبراهين، مما سمعته وقرأته، في كتاب مقصور على ذكر المعجزات والبراهين، ليسهل حفظها وبلوغ ما أوردت فيها من أحاديث عجيبة هائلة مهولة.
فإنها من المشكلات التي تتهافت فيها العقول لكونها من المعضلات [مما] لا يتحمله إلا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان.
وجمعت من كتب شتى من مناقبهم وعلومهم واحتجاجاتهم التي لا يستغني عنها الطالب للحق والراغب فيه زلفة إلى الله، وابتغاءا لمرضاته، وتقربا إلى صاحب الحضرة العلية الامامية المرتضوية صلوات الله على مشرفها.
الحمد لله الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، وهدانا إلى الصراط المستقيم وصلى الله على محمد سيد المرسلين، وعلى علي وآله الطاهرين الطيبين المعصومين المنصوصين.
صفحہ 14
فمن دلائل المولى أمير المؤمنين، وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام:
1 - حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه [قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد] (1) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد ابن زكريا، عن أبي المعافا (2) عن وكيع، عن زاذان، عن سلمان قال:
كنا مع أمير المؤمنين عليه السلام ونحن نذكر شيئا من معجزات الأنبياء عليهم السلام فقلت له:
يا سيدي أحب أن تريني ناقة ثمود، وشيئا من معجزاتك؟
قال: أفعل [إن شاء الله تعالى]. ثم وثب فدخل منزله وخرج إلي وتحته فرس أدهم، وعليه قباء أبيض وقلنسوة بيضاء، ونادى: يا قنبر أخرج إلي ذلك الفرس.
فأخرج فرسا آخر أدهم، فقال لي: اركب يا أبا عبد الله.
قال سلمان: فركبته، فإذا له جناحان ملتصقان إلى جنبه، فصاح به الإمام عليه السلام فحلق في الهواء، وكنت أسمع حفيف أجنحة الملائكة [وتسبيحها] تحت العرش ثم حضرنا على ساحل بحر عجاج مغطمط (3) الأمواج، فنظر إليه الامام شزرا فسكن البحر.
فقلت له: يا سيدي سكن البحر من غليانه من نظرك إليه!
فقال: يا سلمان، خشي أن آمر فيه بأمر.
ثم قبض على يدي، وسار على وجه الماء، والفرسان يتبعاننا لا يقودهما أحد فوالله ما ابتلت أقدامنا ولا حوافر الخيل، فعبرنا ذلك البحر، ودفعنا (4) إلى جزيرة
صفحہ 15
كثيرة الأشجار والاثمار والأطيار والأنهار، وإذا شجرة عظيمة بلا ثمر، بل ورد وزهر (1).
فهزها بقضيب كان بيده، فانشقت وخرجت منها ناقة طولها ثمانون ذراعا، وعرضها أربعون ذراعا، وخلفها قلوص (2) فقال لي: ادن منها واشرب من لبنها.
[قال سلمان]: فدنوت منها وشربت حتى رويت، وكان لبنها أعذب من الشهد وألين من الزبد وقد اكتفيت.
قال صلوات الله عليه: هذا حسن؟ قلت: حسن يا سيدي! قال: تريد أن أريك أحسن منها؟ فقلت: نعم يا سيدي.
قال: يا سلمان ناد: أخرجي يا حسناء. فناديت (3) فخرجت ناقة طولها مائة وعشرون ذراعا، وعرضها ستون ذراعا [ورأسها] من الياقوت الأحمر [وصدرها من العنبر الأشهب، وقوائمها من الزبرجد الأخضر] وزمامها من الياقوت الأصفر، وجنبها الأيمن من الذهب، وجنبها الأيسر من الفضة، وضرعها من اللؤلؤ الرطب.
فقال لي: يا سلمان اشرب من لبنها.
قال سلمان: فالتقمت الضرع فإذا هي تحلب عملا صافيا محضا (4) فقلت: يا سيدي هذه لمن؟
قال: هذه لك ولسائر الشيعة (5) من أوليائي. ثم قال: ارجعي.
فرجعت من الوقت، وسار بي في تلك الجزيرة حتى ورد بي إلى شجرة عظيمة وفي أصلها مائدة عظيمة، عليها طعام يفوح منه رائحة المسك، وإذا بطائر في صورة النسر العظيم، قال [سلمان]: فوثب ذلك الطير فسلم عليه، ورجع إلى موضعه
صفحہ 16
فقلت: يا سيدي ما هذه المائدة؟
قال: هذه منصوبة في هذا الموضع للشيعة من موالي إلى يوم القيامة.
فقلت: ما هذا الطائر؟ فقال: ملك موكل بها إلى يوم القيامة.
فقلت: وحده يا سيدي؟ فقال: يجتاز به الخضر عليه السلام كل يوم مرة.
ثم قبض على يدي، وسار بي إلى بحر ثان، فعبرنا إذا بجزيرة عظيمة، فيها قصر لبنة من ذهب ولبنة من فضة بيضاء، وشرفه من العقيق الأصفر، وعلى ركن (2). أقبلت الملائكة تسلم عليه، ثم أذن لهم فرجعوا إلى مواضعهم.
قال سلمان: ثم دخل الإمام عليه السلام إلى القصر، فإذا فيه أشجار [وأثمار] وأنهار وأطيار وألوان النبات، فجعل الإمام عليه السلام يتمشى فيه حتى وصل إلى آخره، فوقف على بركة كانت في البستان، ثم صعد إلى سطحه، فإذا كرسي من الذهب الأحمر، فجلس عليه، وأشرفنا على القصر، فإذا بحر أسود يغطمط (3) بأمواجه كالجبال الراسيات.
فنظر إليه شزرا فسكن من غليانه حتى كان كالمذنب.
فقلت: يا سيدي سكن البحر من غليانه لما نظرت إليه!
قال: خشي أن آمر فيه بأمر، أتدري يا سلمان أي بحر هذا؟
فقلت: لا يا سيدي. فقال: هذا البحر الذي غرق فيه فرعون (لعنة الله) وقومه، إن المدينة حملت على محاميل (4) جناح جبرئيل عليه السلام ثم رمى بها في هذا البحر فهويت فيه لا تبلغ قراره إلى يوم القيامة.
فقلت: يا سيدي هل سرنا فرسخين؟
فقال: يا سلمان لقد سرت خمسين ألف فرسخ، ودرت حول الدنيا عشرين ألف
صفحہ 17
مرة، فقلت يا سيدي وكيف هذا؟!
فقال: يا سلمان إذا كان ذو القرنين طاف شرقها وغربها وبلغ إلى سد يأجوج ومأجوج فأنى يتعذر علي وأنا أخو سيد المرسلين، وأمين رب العالمين، وحجته على خلقه أجمعين.
يا سلمان أما قرأت قول الله تعالى حيث يقول: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/26" target="_blank" title="سورة الجن: 26">﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول﴾</a> (1) فقلت: بلى يا سيدي.
فقال: يا سلمان أنا المرتضى من الرسول الذي أظهره الله على غيبه، أنا العالم الرباني، أنا الذي هون الله عليه الشدائد وطوى له البعيد.
قال سلمان: فسمعت صالحا يصيح في السماء - يبلغ صوتا ولا يرى الشخص - وهو يقول: صدقت، صدقت، أنت الصادق المصدق صلوات الله عليك.
ثم وثب فركب الفرس وركبت معه وصاح به، وحلق في الهواء، ثم حضرنا بأرض الكوفة، هذا كله وقد مضى (2) من الليل ثلاث ساعات، فقال لي:
يا سلمان، الويل كل الويل على من لا يعرفنا حق معرفتنا، وأنكر ولايتنا.
يا سلمان أيما أفضل محمد صلى الله عليه وآله أم سليمان بن داود؟
قال سلمان: [قلت:] بل محمد صلى الله عليه وآله.
فقال: يا سلمان فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس في طرفة عين وعنده علم من الكتاب، ولا أفعل ذلك وعندي علم مائة كتاب وأربعة وعشرين (3) كتاب؟!
صفحہ 18
أنزل الله على شيث بن آدم عليه السلام خمسين صحيفة، وعلى إدريس عليه السلام ثلاثين صحيفة [وعلى نوح عليه السلام عشرين صحيفة] وعلى إبراهيم عليه السلام عشرين صحيفة، والتوراة والإنجيل والزبور [والفرقان].
فقلت: صدقت يا سيدي هكذا [يكون الامام].
قال الإمام عليه السلام: إعلم يا سلمان أن الشاك في أمورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا، وقد فرض الله عز وجل ولايتنا في كتابه، وبين فيه ما أوجب العمل به وهو غير مكشوف (1). (2) 2 - ومنها: حدثنا إبراهيم بن الحسين (3) الهمداني، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الغفار بن القاسم، عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام:
أن جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وآله بجام (4) من الجنة فيه فاكهة كثيرة من فواكه
صفحہ 19
الجنة، فدفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله فسبح الجام وكبر وهلل في يده.
ثم دفعه إلى أبي بكر فسكت الجام، ثم دفعه إلى عمر فسكت الجام.
ثم دفعه إلى أمير المؤمنين، الجام وكبر وهلل في يده، ثم قال الجام:
إني أمرت أن لا أتكلم إلا في يد نبي أو وصي نبي. (١) ٣ - وفى كتاب الأنوار (٢) بأن الجام من كف النبي صلى الله عليه وآله عرج إلى السماء وهو يقول بلسان فصيح سمعه كل من كان عند النبي صلى الله عليه وآله:
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/33/33" target="_blank" title="الأحزاب: 33">﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾</a> (٣). (٤) ٤ - وأيضا: وروي أن جبرائيل وميكائيل عليهما السلام أتيا به، فوضعاه في يد أمير المؤمنين عليه السلام بأمر النبي صلى الله عليه وآله فسلم عليه الجام، فرد عليه السلام:
قال الله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/16/97" target="_blank" title="النحل: 97">﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة﴾</a> (5) قال الصادق عليه السلام: أعطى الله أمير المؤمنين عليه السلام حياة طيبة بكرامات [و] أدلة وبراهين [و] معجزات، وقوة إيمانه، ويقين علمه وعمله، وفضله الله على جميع خلقه بعد النبي صلى الله عليهما وآلهما. (6)
صفحہ 20