هو عبد الله بن يعقوب ويكنى أبو محمد مولى بني تميم، حدث إسحاق قال: كنت على باب الفضل بن يحيى فأتاني التميمي الشاعر بقصيدة في قرطاس وسألني أن أوصلها إلى الفضل فنظرت فيها ثم خرقت القرطاس، فغضب أبو محمد وقال لي: أما كفاك أن استخففت بحاجتي ومنعتني أن أدفعها إلى غيرك، فقلت له: أنا خير لك من القرطاس، ثم دخلت إلى الفضل فلما تحدثنا قلت له: معي هدية وصاحبها بالباب وأنشدته، فقال: وكيف حفظتها؟ قلت: الساعة، دفعها إلي على الباب فحفظتها، فقال: دع الآن، فقلت له: فأدخله، فأدخل، فسأله عن القصة: فأخبره ثم خرج التميمي، فقلت: خذ في حاجة الرحل، فقال: أما إذا عنيت به فقد أمرت له بخمسة آلاف درهم، فقلت له: أما إذا أقللتها فعجلها، فأمر بها فأحضرت، فقلت له: أليس لإعناتك إياي ثمن، قال: نعم، قلت: فهاته، قال: لا أبلغ بك في الإعنات ما بلغت بالشاعر في المديح، فقلت: فهات ما شئت، فأمر بثلاثة آلاف درهم فضممتها إلى الخمسة آلاف ووجهت بها إليه.
إبراهيم الموصلي يستوهب بالغناء ثمن ضيعة من البرامكة
حدث مخارق قال: اشتغل الرشيد يوما واصطبح واصطبحت السماء تطش طشا خفيفا، فقلت: والله لأذهبن إلى أستاذي إبراهيم فأعرف خبره ثم أعود، فأمرت من عندي أن يسووا مجلسا لنا إلى وقت رجوعي، فجئت إلى إبراهيم الموصلي فإذا بالباب مفتوح والدهيلز قد كنس، والبواب قاعد، فقلت: ما خبر أستاذي، فقال: ادخل، فدخلت فإذا هو جالس في رواق له وبين يديه قدور تغرغر وأباريق تزهر والستارة منصوبة والجواري خلفها، وإذا قدامه طست فيه رطليه وكوز وكأس، فدخلت أترنم ببعض الأصوات وقلت له: ما بال الستارة لست أسمع من ورائها صوتا، فقال: اقعد ويحك، إني أصبحت على الذي ظننت فأتاني خبر ضيعة تجاورني كنت والله طلبتها زمانا وتمنيتها فلم أملكها وقد أعطى بها مائة ألف دينار، فقلت: وما يمنعك منها؟ والله لقد أعطاك الله أضعاف هذا المال وأكثر، قال: صدقت ولكن لست أطيب نفسا أن أخرج هذا المال، فقلت: ومن يعطيك الساعة مائة ألف درهم والله ما أطمع في ذلك من الرشيد فكيف من دونه، فقال: اجلس خذ هذا الصوت، ونقر بقضيب معه على الدواة وألقى علي هذين البيتين:
نام الخليون من هم ومن سقم
وبت من كثرة الأحزان لم أنم
يا طالب الجود والمعروف مجتهدا
اعمد ليحيى حليف الجود والكرم
فأخذته فأحكمته، ثم قال لي: امض الساعة إلى باب الوزير يحيى بن خالد، فإنك تجد الناس عليه وتجد الباب قد فتح ولم يجلس عليه بعد، فاستأذن عليه قبل أن يصل إليه أحد فإنه سينكر عليك مجيئك، ويقول: من أين أقبلت في هذا الوقت، فحدثه بقصدك إياي وما ألقيت إليك من خير الضيعة، وأعلمه أني صنعت هذا الصوت وأعجبني، ولم أر أحدا يستحقه إلا فلانة جاريته، وإني ألقيته عليك حتى أحكمته لتطرحه عليها فيستدعي بها ويأمر بالستارة أن تنصب ويوضع له كرسي ويقول لك: ألقه عليها بحضرتي ، فافعل وأتني بالخبر بعد ذلك، قال: فجئت باب يحيى فوجدته كما وصف وسألني فأعلمته ما أمرني به، ففعل كل شيء قاله لي إبراهيم وأحضر الجارية فألقيت عليها، ثم قال لي: تقيم عندنا يا أبا المهنا أم تنصرف؟ فقلت: أنصرف أطال الله بقاءك فقد علمت ما أذن لنا فيه، فقال: يا غلام احمل مع أبي المهنا عشرة آلاف درهم واحمل إلى أبي إسحاق مائة ألف درهم ثمن هذه الضيعة، فحملت العشرة آلاف درهم إلي وأتيت منزلي، فقلت: أسر يومي هذا وأسر من عندي، ومضى الرسول إليه بالمال، فدخلت منزلي ونثرت على من عندي من الجواري دراهم من تلك البدرة وتوسلتها وأكلت وشربت وطربت وسررت يومي كله فلما أصبحت قلت: والله لآتين أستاذي ولأعرفن خبره، فأتيته فوجدت الباب كهيئته بالأمس ودخلت فوجدته على مثل ما كان عليه، فترنمت وطبت فلم يتلق ذلك بما يجب، فقلت له: ما الخبر ألم يأتك المال، قال بلى، فما كان خبرك أنت بالأمس، فأخبرته بما كان وهب لي وقلت: ما كان ينتظر من تحت الستارة، فقال: ارفع السجف فرفعته، فإذا عشرة بدر، فقلت: وأي شيء بقي عليك في أمر الضيعة؟ قال: ويحك ما هو والله إلا أن دخلت منزلي حتى شححت عليها فصارت مثل ما حويت قديما، فقلت: سبحان الله العظيم فتصنع ماذا، قال: قم حتى ألقي عليك صوتا صنعته يفوق ذلك الصوت، فقمت وجلست بين يديه فألقى علي:
ويفرح بالمولود من آل برمك
بغاة الندى والسيف والرمح والنصل
نامعلوم صفحہ