الفرار الأول: ومن حسن طالع الضابط أن الجنود الألمان الذين تولوا أمر حراسته تغلب عليهم النوم في تلك الليلة فاستغرقوا في سبات ثقيل مكنه من الانسلال والهرب وهم لا يفيقون، وكان قد لبس رداء لواحد من الحراس وتسلح بمسدس، فخرج من القرية وهو يلتفت ذات اليمين وذات اليسار، وقبل الابتعاد عنها لقي حصانا فركبه وجد في السير طالبا المعسكر الروسي، غير أن طلوع الفجر أدركه قبل الوصول إليه، فرأى عن بعد فصيلة من الجنود الألمانية مقبلة عليه، حينئذ نزع عنه الرداء الألماني ورمى بالمسدس إلى الأرض، ثم تقدم إلى الجنود الألمانية، فقال لهم إنه آت من مكان بعيد ليعود والده المريض المقيم بتلك النواحي فسكت قائد الفصيلة هنيهة، ثم لطمه، وقال له: كذبت أيها الخبيث، فما أنت إلا جاسوس، وقد خانتك الجزمة التي في رجلك وهي من الجزم التي تلبسها الجنود الروسية، وكان الأمر كما قال القائد، فحكم على الضابط الروسي هذه المرة بالإعدام شنقا.
الفرار الثاني: على أن حسن الطالع لم يفارق الضابط الروسي، فتمكن من تسلق جدران البيت الذي قيد إليه ليقضي فيه آخر ليلة من ليالي عمره وخرج من نافذة كانت فيه، ثم دب على يديه ورجليه دبيب ذوات الأربع منسلا بين الحراس فأسرع في المشي، وأخذ يعدو إلى أن وصل إلى المعسكر الروسي ينقل إلى أركان الجيش من الأخبار ما ساعدهم على النجاح في أعمالهم الحربية. •••
ولي عهد بافاريا في شارلروي: في أول الحرب دخل الجيش البافاري مدينة شارلروي ظافرا منتصرا بقيادة الأمير ولي عهد بافاريا وضرب القائد على المدينة غرامة حربية مقدارها مليون فرنك، فاستكثرها رجال المجلس البلدي لا سيما وأنه ليس لديهم في خزانتهم إلا ما يساوي ربع القيمة أو دون ذلك، ولم يجدوا حيلة للخلاص من دفعها، فقالوا نذهب إلى المطران ونعرض عليه الأمر لعله يجد في قلب الأمير سبيلا إلى الشفقة، فأبلغوه الخبر فتردد أولا خشية من أنه لا يلاقي إلا الجفاء والرفض، ومن الغد أرسل حافظ سره إلى القيادة العامة يستأذن له بمقابلة الأمير القائد.
قال: ذهب الكاهن وهو يرعد خوفا إلا أنه لما انتهى إلى حيث معظم الجند جالسون تشجع وعاد إليه جأشه لما رأى الجند يقفون احتراما له ويحيونه بالسلام على طول الطريق إلى أن بلغ مركز القيادة، وطلب موعد مقابلة مخدومه للأمير فعين الموعد ورجع الكاهن مستبشرا خيرا، وأخبر المطران بما كان فسر، وتشجع وفي الموعد المضروب مضى المطران فاستقبله الأمير ولي العهد وحده بكل بشاشة وإيناس واستوعب مطالبه، ثم إن الأمير استدعى إليه رئيس أركان حربه وكان بروسيا طويل القامة غليظ الجفنين بادي القسوة فهمس في أذنه، ثم التفت إلى المطران، وقال له : قد أعفينا المدينة من الضريبة، فخرج المطران من حضرة الأمير البافاري شاكرا يتحدث بلطفه وكرم خلاله. •••
الألمان يحرقون قتلاهم بجوار استرناي: استرناي قرية فرنسوية قرب مدينة سيزان وعلى بعد تسعة أميال فقط من باريس، احتلها الألمان يوم السبت في 12 سبتمبر سنة 1914، وظلوا فيها إلى يوم الإثنين في 14 منه، وقنابل المدافع الفرنسوية تهطل عليهم كالمطر الهطال طول تلك المدة حتى اضطروا أن يخلوها بعد قتال يشيب الأطفال في معركة المارون الشهيرة، وقبل أن يرحلوا عنها جمعوا جثث قتلاهم ووضعوها على قطع كبيرة من الحطب قرب محل ينشر فيه الحطب ألواحا من الخشب، ثم أفرغوا عليها «صفائح البنزين» وأضرموا فيها النار فاحترقت احتراقا هائلا وتصاعدت روائح الشواء في الفضاء، وكان بالقرب من لهبها عدة بخارية من نوع اللوكوموبيل فاحترقت من حر نارها ولم تعد تصلح لعمل. •••
أول رصاصة: في قلعة قديمة من قلاع النمسا - هي اليوم سجن للمجرمين - رجل في مقتبل الشباب محكوم عليه بالحبس عشرين سنة يقضي أيامه في حجرة يحرسها جندي واقف أمام بابها ليل نهار، وهو ينظر كل ثلاث دقائق من ثقب في الباب إلى المسجون ويراقب حركاته وسكناته، وذلك المسجون مقيد الرجلين بقيد ضخم، يجلس على مقعد من خشب أمام منضدة حقيرة عليها فانوس ينير ظلام الليل بنوره الضئيل من المساء إلى الصباح، وقد حرم عليه الكلام والكتابة والقراءة، ولا يسمح له بالخروج من حجرته إلا ساعة من الزمان من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة صباحا لتبديل الهواء في صحن البناء فيسير الهوينا سير المحمل عبئا ثقيلا، تصطك حلقات القيد الذي في رجليه فيسمع لها رنين يدوي في هدوء ذلك المكان كأنها أنين المتوجع، ويتبع في خطواته عن كثب حارس السجن شاهرا بندقيته.
ذلك الشاب هو جافريو برنسيب قاتل الأرشيدوق فرنز فردينند ومثير هذه الحرب الطاحنة بين خمس إمبراطوريات وجمهورية وثلاث ممالك وسلطنة، عدد سكانها وسكان مستعمراتها 600 مليون نفس وعدد جنودها التي كانت تخوض معامع القتال نحو 20 مليون جندي.
وقد قالت مجلة «الساتوردي إفيننج بوست» الأمريكية: إننا لم نسمع من اليوم الذي حكم فيه بالحبس على جافريو برنسيب أن واحدا من أصحاب معامل الأسلحة بعث بخمسين سنتيما لذلك المجرم اعترافا له بالجميل، وهو الذي روج سوق بضاعتهم وملأ خزائنهم قناطير مقنطرة من الذهب الرنان، بل لم نسمع أن ملكا أو أميرا أو قائدا كبيرا كان يحلم بالحرب إبان السلم أتحف برنسيب شروي نفير يوم حقق ذلك المجرم حلمه وبلغه منها، ولو كان الإنصاف من شيم الناس لجعلوه أميرا أو أقاموا له تمثالا كبيرا. •••
إلغاء الامتيازات بين أنور وجاويد:
جاويد :
نامعلوم صفحہ