94

نصرانیہ

النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية

اصناف

وما قدَّس الرهبان في كلّ هيكلٍ ... ومثله قول البكري في معجم ما استعجم (ص ٣٦٩) يصف رتبة قداس النصارى "وضجَّ الرهبان بالتقديس". ومن مناكسهم (القربان) هو في الأصل كلُّ ما يتقرب به إلى الله، وقد خصت بقربان النصارى قال أمية (كتاب البدء ٢: ١٤٥): أياَّم يلقى نصاراهم مسيحهمُ ... والكائنينَ لهُ ودًّا وقربانا وروى في اللسان لجرير (١٥: ١٢٥): أو تتركون إلى القسَّينِ هجرتكم ... ومسحكم صلبهم رحمان قربانا وقد بنوا منه فعلًا فقالوا (تقرَّب) إذا اخذ القربان قال الأعشى يمدح هوذة بن علي النصراني الذي أعتق منه من أسرى تميم يوم الفصح (تاريخ الطبري ١: ٩٨٧): بهم تقرَّب يوم الفصح ضاحيةَ ... يرجو الإله بما أسدى وما صنعا ومثله ما أخبر صاحب الأغاني (٢: ٣٢) عن عدي بن زيد وهند بنت النعمان كيف دخلا يوم خميس الفصح كنيسة الحيرة "ليتقربا" يريد تناولهما الفصحي وكانوا يدعون القربان (الشبر) ولعل اللفظة سريانية "كلمة سريانية" وهي الطعام والغذاء، أرادوا بها قوت النفوس وقد وردت في الشعر القديم، قال عدي بن زيد يحلف بالقربان (شعراء النصرانية ٤٥٢ ولسان العرب ٦: ٥٨): إذ أتاني نبأٌ من منعمٍ ... لم أخنهُ والذي أعطى الشَّبر قال الشارح: "الشبر هو الإنجيل والقربان" وقد وردت الكلمة في شعر العجاج فافتتح إحدى أراجيزه بقوله: الحمدُ لله الذي أعطي الشَّبرْ فشرحوا الشبر بالعطية والموهبة وكأنها تعريب اللفظة اليونانية أفخارستيا (كلمة يونانية) ومعناها الموهبة الصالحة فأطلقوها على القربان، وورد لابن السكيت في إصلاح المنطق (طبعة مصر ص١٥٩) في شرح بيت عدي: "قيل في الشبر ههنا أنه القربان". وقد خصوا بالذكر (خمر القربان) ورووا صلاة النصارى عليها وتقديسهم لها وقد مرّضت في ذلك أبيات أيمن بن خريم (الأغاني ١٦: ٤٥): وصهباءَ جرجانَّية لم يطف بها ... حنيفٌ ولم تنغر بها ساعةَ قدرُ ولم يشهد القسُّ المهينمُ نارها ... طروقًا ولا صلَّى على طبخها حبرُ ومثله فيها للأعشى (شعراء النصرانية ص٣٧٨): لها حارسٌ لا يبرحُ الدهرَ بينها ... وأن ذبحتْ صلَّى عليها وزمزما ببابلَ لم تعصر فسالت سلافة ... تخالط قنديدًا ومسكًا مختَّما فبذكره للصلاة عليها خص الخمر المقدسة، وقال الأعشى أيضًا: وصهباءَ طاف نهامُّها ... وأبرزها وعليها ختمْ وقابلها مستهامًا لها ... وصلَّى على دنّها وارتسم تمزَّرتها غير مستكبرٍ ... على الشرب أو منكر ما علمْ النهامي صاحب الدير وقد وروي (قطب السرور M s de Paris FF، ٦٧): "طاف يهوديها" ولعله تصحيف لأن اليهودي لا يصلي على الخمر ولا يطيف بها. وكذلك قال علقمة وذكر (الكأس) وخص خمرها بصفات أقرب إلى الخمر المقدسة: كأسُ عزيزٍ من الأعناب عتَّقها ... لبعض أربابها حانيهٌ حومُ تشفي الصُّداع ولا يؤذيكَ طالبها ... ولا يخاطبها في الرأس تدويمُ ظلَّت ترقرقُ في الناجودِ يصفقها ... وليدُ أعجمَ بالكتانِ مفدومُ قالوا أراد بالعزيز الملك، وقالوا أراد كبير النصارى كقول أوس بن حجر يذكر فصح النصارى: عليهِ كمصباحِ العزيز يشبُّهُ ... لفصحِ ويحشوهُ الذُّبال المفتَّلا وكما شربوا خمر القربان أكلوا خبزه المقدس، وقد بينا (ص ٧٢ و١٣٩) أن هجو بعض الشعراء لبني حنيفة النصارى على "أكلهم لربهم" إنما أرادوا به تقربهم من القربان الأقدس فقرعوهم بما لم يدركوا معناه فقالوا: أكلتْ حنيفةُ ربَّها ... زمن التقحُّم والمجاعةْ لم يحذروا من رّبهم ... سؤ العقوبة والتباعه ومثله قول الآخر: أكلتْ ربَّها حنيفةُ من جو ... عٍ قديمٍ ومن إعوازِ والنصارى يشيرون إلى القربان (بمائدة الرب) كما دعاها بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنتس (١٠ ٢١)، واللفظة شاعت عند عرب الجاهلية أخذوها أيضًا من نصارى الحبش وهي عندهم (كلمة يونانية) وقد وردت في القرآن بهذا المعنى (في سورة المائدة ع١١٢ و١١٤) حيث يذكر أن الحواريين طلبوا من المسيح أن ينزل عليهم مائدة من السماء فأنزلها، وأراد بها العشاء السري.

1 / 94