بناها وابتنى سبعًاشدادًا ... بلا عمد يرين ولا رجالِ
وسوَّاها وزينها بنورٍ ... من الشمس المضيئةِ والهلالِ
ومن شهبٍ تلألأُ في دجاها ... مراميها أشدُّ من النضالِ
وشقَّ الأرض فانبجست عيونًا ... وأنهارًا من العذبِ الزُّلالِ
وبارك في نواحيها وزكَّى ... بها ما كان من حرثِ ومالِ
ولقيّ بن ساعدة في الخالق وغايته من الخلق:
الحمدُ لله الذي لم يخلق الخلق عبث
ومثله لعديّ بن زيد وسمّاه مسبّحًا وخلاقًا:
ليس شئ على المنونِ بباقِ ... غيرَ وجهِ المسبّح الخلا ذقِ
ومما يضاف إلى صفته بالخالق قول أميّة بن أبي الصلت:
إذغ قيل من ربُّ هذي السما ... فليس سواهُ لهُ يضطربْ
ولو قيل ربُّ سوى ربنا ... لقال العبادُ جميعًا كذبْ
وسمّاه أميّة كبيرًا ومنشئًا ومحييًّا وقديرًا فقال:
مجّدوا الله وهو للمجد أهلٌ ... ربُّنا في السماء أمسى كبيرا
ذلك المنشئ الحجارة والمو ... تى وأحيائهمُ وكان قديرا
ووصفه قسّ بن ساعدة بالمهيمن:
فأعوذ بالملك المهيمن ممّا ... غالهُ بالبأساءِ والنحسِ
ونعته أميّة بن أبي الصلّت بالسّليطط والمقتدر فقال:
إنَّ الأنام رعايا اللهِ كلّهمُ ... إنّالسّليططَ فوقَ الأرض مقتدرُ
وسمّاه الكريم فقال:
ثمَّ يجلو النهار ربٌّ كريمٌ ... بمهاةٍ شعاعها منثورُ
وقال أعشى قيس:
ربّي كريمٌ لا يكدّرُ نعمةً ... فإذا تنوشد في المهارق أنشدا
وخصَّه زهير بن أبي سلمى بمراقبة الأعمال والانتقام لها في معلّقته:
فلا تكتمنَّ اللهَ ما في صدوركم ... ليخفى ومهما يُكتم الله يعلمِ
يؤخر فيوضع في كتاب فيذّخر ... ليوم الحساب أو يعجّل فينقمِ
ودعاه أميّة حكمًا فقال:
لك الحمد والمنّ ربَّ العبا ... دِ أنتَ المليكُ وأنتَ الحكمْ
وسمّاه عليًّا ومتعاليًّا:
وأشهد أنَّ الله لا شئ بعدهُ ... عليًّا وأمسى ذكرهُ متعاليا
ووصفوه بالرحمن والرحيم. قال الأعشى:
فلئنْ ربُّك من رحمتهِ ... كشف الضيقة عنَّا وفسحْ
وقال المثقّب العبيّ: لحى الرّحمان أقوامًا أضاعوا=على الوعواع أفراسي وعيسي وقال سلامة بن جندل يصفه بالرحمان والجابر والجامع:
عجلتم علينا حجّتين عليكمُ ... وما يشأ الرحمانُ يعقد ويطلقِ
هو الجابرُ العظمِ الكسيرِ وما يشأ ... من الأمر يجمعْ بينهُ ويفرّقِ
ويروى:"هو الكاسرُ العظمِ الأمينِ". ووصفه زيد بن عمرو بالرحمان والغفور فقال:
أربًّا واحدًا أم ألفَ ربٍ ... أدينُ إذغ تقسّمت الأمورُ
ولكن اعبدُ الرحمانَ ربّي ... ليغفر ذنبيَ الربُّ الغفورُ
وقال أميّة في الرحيم:
ثمّ يجلو الظلام ربٌّ رحيمٌ ... بمهاةٍ شعاعها منشورُ
ودعاه الورقة بن نوفل بالسميع المجيب فقال:
أدين لربّ يستجيبُ ولا أرى ... أدينُ لمن لا يسمع الدهرَ واعيا
أقول إذا صليتُ في كلّ بيعةِ ... تباركتَ قد أكثرتَ باسمك داعيا
فهذه الأسماء كلّها من صفات الله ﵎ تثبت جليًّا بأنّ أهل الجاهليّة المتنصرين لم يفتهم شئ من معرفة الإله الحقّ.
٢ السماء والجحيم وما فيهما
كما اقتبس عرب الجاهليّة معارفهم عن الحقّ ﷾ من نور النصرانيّة ودعاتها خصوصًا كذلك يجب القول أنّهم عرفوا الآخرة بفضلهم وإن أمكنهمأن يستعيروا شيئًا منها من اليهود إلاّ أنّ اليهود كما سبق لنا القول كانوا منزوين في بعض أنحاء جزيرة العرب ولم يختلطوا مع أهلها إلا اختلاطا يسيرًا على خلاف النصارى الذين رأيناهم في ما مرّ ساكنين في كلّ أقطار العرب لا يخلو منهم حيّ واحد فلا عجب أن يكونوا بثّوا تعاليمهم عن دار الخلود بين أهل البادية والحضر كما نشروا تعريفهم للخالق ﷿.
"السماء" معلوم أنّ الساء مقام الله حيث يتجلى للأبرار وحيث يسعى في خدمته ملائكة منزهون عن الهيولي ... وقد مرت معنا أبيات لأميّة بن أبي الصلت وصف فيها تلك السماء العليا. فلا حاجة إلى تكرارها وإنّما نضيف إليها قوله في الداري:
دارٌ دحاها ثمَّ أعمرنا بها ... وأقام بالأخرى التي هي أمجد
1 / 73