165

نصرانیہ

النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية

اصناف

وبالإجمال يمكننا القول بأن فن التصوير لولا الصنعة النصارى في أنحاء الشرق كان فقد بعد ظهور الإسلام لأن أصحابه اسنكفوا من صناعة التصوير لما وجدوا فيها من العثرة وخطر الشرك واستنادًا إلى ماروي في الحديث: "أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب أو تصاوير" وأنه "أشد الناس عذابًا عند الله المصورون" وأن "كل مصور في النار" فكسد لذلك فنم التصوير بن المسلمين إلا العجم منهم إلى أن عادوا فاتخذوه زينة وفرقوا بين صور العبادة وغيرها. ولا شك أنهم التجأوا إلى النصارى فتعلموه منهم، وبرع فيه بعض المسلمين كالكتامي والنازوك والقصير وابن العزيز الي ذكرهم المقريزي في كتاب الخطط (٢: ٣١٨) في وصف جامع القرافة وذكر شيئًا من أعمالهم وقد قال العلامة غاية (Al. Gayet) في كتابه الصناعة العربية (ص٢٥٠ ٢٥٢) "إنَّ مايوجد في مصر من آثار التصوير والحفر والأشغال الخشبية ونقوش الأنسجة والزجاج كلها مأخوذة عن الصنعة الأقباط الذين علموا هذه الفنون المسلمين في مصر كما يقر به المسلمون أنفسهم" ٤ فن الموسيقى والغناء الموسيقى من أجل الفنون الجميلة غايتها تأليف الألحان وتناسب النغمات وتنظيم الأوزان المحركة للنفس تحريكًا ملذًا فمنها الموسيقى الطبيعية لتلحين الأصوات البشرية والآلية المتخذة من آلات الطرب كالعود والأرغن وكلتاهما أمًادينية لتجميد الله وتحريك القلوب على خدمته وأما مدنية وأما ليسلو بها الإنسان عن أشجانه وتطرب بنغماتها الصدور وتتشنف بالحانها الآذان فتهيج في سامعيها مختلف العواطف اللينة أو الشديدة المحزنة أو المبهجة على حسب إيقاعها. ولذلك قال بعضهم: إن الغناء غذاء الأرواح كما أن الشراب غذاء الأشباح. ولم يكن العرب ليجهلوا هذا الفن وبعض أصوله في الجاهلية كما يؤخذ من روايات شتى اثبتها أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الشهير بالأغاني وربما دلّ على بعض أوزانه ونغماته بمفردات كان اصطلح عليها قدماء المغنين فكشف بعض المحدثين شيئًا من أسرارها. هذا في غناء أهل الحضر أما عرب البادية فلم يعرفوا إلا القليل من هذا الفن كالحداء لسوق إبلهم وكالبسيط من التلاحين يسمونها بالترنم والتهليل والسناد والهزج. قال ابن خلدون في المقدمة (٢: ٣٥٩ من طبعة باريس): "وهذا كله من أوائل التلاحين لا يبعد أن تتفطن له الطباع من غير تعليم شأن البسائط كلها من الصنائع ولم يزل هذا شأن العرب في بداوتهم وجاهليتهم". ولا نشك أن نصارى العرب في الجاهلية أحرزوا لهم فخرًا في هذا الفن كما أصابوه بالفنون الجميلة السابق ذكرها وذلك في قسمي الموسيقى الدينية والمدنية معا. ً "الموسيقى الدينية" أثبتنا في ما سبق لنا من الكلام كم كان لنصارى العرب من كنائس وأديار وصوامع ومقامات دينية شتى في كل أنحاء الجزيرة في شمالها وجنوبها وأواسطها كانت تقام فيها الحفلات الدينية. ومن المعلوم أن الرتب النصرانية تباشر غالبًا بالغناء والترتيل سواء أنشدت التسابيح التقوية أو تليت المزامير والصلوات الفرضية وذلك منذ أوائل النصرانية كما ورد في رسائل القديس بولس حيث قال لأهل أفسس (٥: ١٨_١٩): "امتلئوا من الروح متحاورين فيما بينكم بمزامير وتسابيح وأغاني روحية ومرنمين ومرتلين في قلوبكم للرب". ومثله قوله لأهل كولسي (٣: ١٦) . وقد ورد في كتب العرب أن الرهبان كانوا إذا خافوا الملالة والفتور على أبدانهم ترنموا بالألحان واستراحت إليه أنفسهم. وقال الأبشيهي في المستطرف في كل فن مستظرف (٢: ١٧٧): "لأهل الرهبانية نغمات وألحان شجية يمجدون الله تعالى بها ويبكون على خطاياهم ويتذكرون نعيم الآخرة". وقد قيل في مغن منهم (ياقوت ٢: ٦٩١) . إذا رجع الإنجيل واهتزّ مائدًا ... تذكرَّ محزونٌ وحن غريبُ وهاج لقلبي عند ترجيع صوتهِ ... بلابلُ أسقامٍ بهِ ووجيبُ وقيل في غيرهم (٢: ٦٩٥): إني طربتُ لرهبان مجاوبة ... بالقدسِ بعد هدوّ الليلِ رهبانا وفي الشعر الجاهلي ألفاظ أطلقوها على غناء القسوس والرهبان فيقولون "هينم القس" إذا نغم بخفوت الصوت. قال أيمن بن خريم يشير إلى تقديس الكأس عند النصارى (الأغاني ١٦: ٤٥): ولم يشهد القسُّ المهينم نارها ... طروقًا ولا صلّى على طبخها حبر

1 / 165