وكان نابوليون يميل إلى مطالعة هوميروس ويعجب بروايات كورنيل، ومما يؤثر قوله في درسد: «لو كان كورنيل حيا لجعلته ملكا.»
على أنه كان يكره فولتير وجان جاك روسو؛ لأن الأول أراد أن يهدم كل شيء، والثاني استحق الكره من أجل حياته الخاصة.
أما الشعراء فقد كان نابوليون يؤيد جماعة منهم مثل رينوار وأندريو وميلفوا وميشو.
وقيل إن نابوليون ساعد لوس دي لانسيفال في تأليف رواية هيكتور.
وما يقال عن تشجيعه للمؤلفين والممثلين يقال عن اهتمامه بالتصوير والموسيقى، فقد بلغ هذان الفنان في عهده درجة راقية، وكان بتهوفن الموسيقي الألماني الكبير في طليعة الذين ألفوا ألحانا موسيقية «للجنرال المنصور»؛ أي نابوليون.
الفصل الحادي والعشرون
نابوليون في شاهق العظمة
بلغ نابوليون شاهق العظمة ومنتهى الحول والسلطان سنة 1810، فإن الإمبراطورية الفرنسوية في ذاك العهد كادت تضارع إمبراطورية شارلمان من حيث الهيبة وبسطة الملك، وكان نابوليون يلتفت وراءه فيرى أوسترليتز حيث صرع النمسا، وإيلو وفريدلاند حيث قهر روسيا، ويجد بولونيا خاضعة تحت جناح نسره، وإسبانيا مترعرعة تحت يده الفولاذية، ثم يرى وجرام حيث ضرب النمسا مرة أخرى، ويتمثل دخوله ميلان وما تقدمها من الانتصارات الباهرة كما يتمثل دخوله مدريد وبرلين وفرسوفيا وفينا (مرتين)، وإجهازه على السلطة البابوية الزمنية مع احترام سلطته الدينية، ومرور جملة من ملوك أوروبا بين يديه في أرفور كأنهم يمرون أمام فاتح العالم، وكان إذا خرج في باريس وجد حديد المدافع التي غنمها يقوم عمودا عظيما في إحدى ساحاتها، وكانت البلدان الموضوعة تحت سلطان فرنسا مباشرة في تلك السنة مقسومة إلى 140 ولاية، وجعلت جنيف وأنفرس وأكس لاشابيل وفلورانس وجنوى وأمستردام تحت إمرة مديرين من الفرنسويين، وهناك الممالك التي كانت تحت إشراف فرنسا أو منتمية إليها إما لأن نابوليون كان واضع أساسها أو نظامها، وإما لأن ملوكها من صنائعه وأقاربه مثل إيطاليا ومملكة نابولي وإسبانيا ووستفاليا، فإن ملوكها كانوا من إخوة نابوليون وأصهاره، ومثل بافاريا وورتمبرج وسكسونيا، فإن نابوليون هو الذي رفعها إلى رتب الممالك المستقلة. كل ذلك من ثمار الانتصارات اللامعة الساطعة التي أدهشت العالم وغيرت خريطته.
أما تأثير تلك الانتصارات والانقلابات في الشعوب من الوجهة الفكرية فلم يكن أقل من تأثيرها في الوجهة المادية، وكل من يعلم أن نابوليون هو ابن الثورة الفرنسوية، وأن أفكاره هي أفكار الذين قاموا بها سنة 1789 وقواعده هي قواعدهم، وأن ارتقاءه إلى عرش الإمبراطورية كان طبقا لإرادة الأمة وضربا من ضروب المبايعة - لا يعجب من وجود الآثار الديمقراطية في نفس تلك الإمبراطورية، ومن كونها تختلف اختلافا كبيرا من هذا الوجه عن الإمبراطورية الروسية أو النمسوية في ذاك الوقت.
إن الملوك المستبدين كانوا يخافون من الآراء الحرة في عهد نابوليون بقدر ما كانوا يخافون سيفه البتار، أليس نابوليون هو الذي جعل موارت ابن الشعب صاحب تاج؟ أليس نابوليون الذي كان يقول: إن قوتي هي من قوة الشعب، ويهز كتفيه لكل ملك أو سلطان كان يدعي أنه وكيل الله أو ظله على الأرض؟ أوليس نابوليون الذي كان يقول: «إن الشعب هو الذي يهمني لا أرباب الأموال ولا أصحاب القصور.»
نامعلوم صفحہ