ولقد وصف المؤرخون جوزفين بأنها كانت متوسطة القامة، متناسبة الأعضاء، لينة المعاطف، قليلة التكلف في حركاتها وسكناتها، حنطية اللون، ذات عينين شديدتي الزرقة وحاجبين مرتفعين بعض الارتفاع، وكانت ملابسها على الغالب من الحرير الهندي الرقيق.
وزعم بعض أولئك المؤرخين - الذين اشتهروا بالتحامل على أسد أوسترليتز - أنه كان يرمي في حبه لجوزفين إلى غرض واحد هو الحصول على منصب القيادة العامة لجيش إيطاليا، ولكن الآخرين يؤكدون أنه أحبها حبا أكيدا شديدا ، وأن فكرة الزواج كانت ملازمة له منذ سنة 1794؛ بدليل قوله عن أخيه جوزيف بعد زواجه: «إن جوزيف لسعيد»، وبدليل سعيه للاقتران بدزيريه كلاري أخت زوجته، وبدليل رغبته في الاقتران بجوزفين التي كان لها ولدان.
فليس بعجيب بعد أن رفضته دزيريه أن يتزوج أول امرأة يحبها وتمد يدها إليه، وكانت جوزفين دي بومارشيه التي أوقعت على نفسها الشبهات بشدة امتزاجها مع مدام تاليان، واسترسلت إلى اللهو والصفاء بعد وفاة زوجها، تحتاج إلى الاعتماد على قرين يرجى له مستقبل جميل، وكل من اطلع على ما كتبته يعلم أنها كانت أشد رغبة من نابوليون في الاقتران به، وإليك ما كتبته إليه في 28 أكتوبر سنة 1795: «إنك انقطعت عن زيارة صديقة تحبك، وأهملتها إهمالا تاما، فأنت مخطئ في عملك؛ لأن قلبها متعلق بك... فتعال غدا لتناول الغداء معي، فإني في حاجة إلى رؤيتك ومحادثتك فيما يختص بمصلحتك ... أقبلك أيها الصديق ...»
فإذا نظرنا إلى هذا الكتاب بعين الناقد المنصف ظهر لنا منه أمران؛ أولهما: أن نابوليون مع حبه لجوزفين لم يكن يوالي الزيارات لها خوفا من إزعاجها. والثاني: أنه لم يكن يستخدمها لتأييد مصلحته الخاصة كما اتهم، بل أن جوزفين هي التي كانت تتوسل بجملة وسائل لتستميله إليها، ومن جملة وسائلها التحدث عن مصلحته ومستقبله.
وليس بصحيح أنها كانت رفيقة باراس مع مدام تاليان، فإنها لم تكن على رواية المحققين إلا صديقة لمدام تاليان عشيقة باراس، ومما لا ريب فيه أنها لو كانت كما زعموا لقذفت بها مدام تاليان من مجلسها، ولما احتملت منها تلك الخيانة، وكل ما يمكن تصديقه هو أن جوزفين لما صارت خطيبة للجنرال نابوليون التمست توسط مدام تاليان لدى باراس ليساعد على تعيين نابوليون قائدا عاما لجيش إيطاليا، وليس هذا بغريب من خطيبة ترجو تحسين سمعتها وإعلاء منزلتها وتأييد مصلحتها بارتقاء خطيبها، ولا سيما أن جوزفين كما ظهر واشتهر بعد حين لم تندفع بعامل الحب إلى ذاك الاقتران، وإليك ما كتبته إلى إحدى صديقاتها:
إنك رأيت عندي الجنرال بونابارت، فهذا الجنرال أراد أن يكون أبا لليتيمين اللذين تركهما ألكسندر دي بومارشيه وزوجا لأرملته، ولعلك تسألينني: «أأنت تحبينه؟» فأقول: «كلا»، ولكني لا أرى ما ينفرني منه ...
على أن نابوليون نفسه كان يتعالى عن الدسائس ويعتمد على سيفه قبل كل شيء، بدليل ما قالته جوزفين نفسها في كتاب، وهو أن «باراس أكد لي أني إذا اقترنت بالجنرال نابوليون أناله القيادة العامة لجيش إيطاليا»، فحادثت نابوليون في شأن هذا المنصب الذي ساء رفاقه قبل وصوله إليه، فقال لي: «أيظنون أني أحتاج إلى الحماية؟ إنهم إذا حصلوا على حمايتي لهم كانوا من السعداء، وما دام سيفي معي فإني أرتقي به إلى أسمى المناصب ...»
ولكن تلك الأنفة عند نابوليون لا تنفي أن جوزفين صاحبة السلطان على قلبه كانت تستطيع أن تجبره على التسليم بإرادتها، والمعروف أنها كانت تريد توسط باراس وتسعى إليه في بيت حبيبته، وإذا أراد القارئ أن يعرف مبلغ الحب الذي تمكن من قلب نابوليون بعد خطبة جوزفين فليقرأ كتبه إليها، فقد كتب إليها على أثر سهرة: «إني أستيقظ ولا أرى أمامي غيرك، فإن صورتك والسهرة المسكرة التي قضيناها أمس لم تبقيا لحواسي شيئا من الراحة، فما هذا التأثير الغريب الذي أحدثته في قلبي يا جوزفين، يا عزيزة المثال ... إني إذا رأيتك مكدرة الصفاء أو حزينة القلب أو قلقة الفكر تفطر فؤادي وفقدت الراحة»، ثم ختم بقوله: «أعطني ألف قبلة، لا بل امنعيها عني فإنها تحرق دمي في عروقي ...»
حسبك ما تقدم لتعلم أن نابوليون كان يحب جوزفين حبا حارا، وقد استمر حبه لها زمنا طويلا بعد بلوغه ذروة المجد وإحرازه النصر الباهر، وهذا يدل دلالة دامغة على خطأ بعض المؤرخين الذين زعموا أن نابوليون إنما أحب تلك المرأة متصنعا وراميا إلى غرض مادي، في حين أنه كان يحبها حبا خالصا وشديدا إلى حد منعه من درس حقيقة الحب الذي تظاهرت به جوزفين، ولم يدرك أنها اتخذته واسطة لبلوغ غرضها - أي الوصول إلى مركز في المجتمع - إلا بعد زمن.
أما الوقت الذي بدأ فيه نابوليون يتحبب إلى جوزفين ويجتمع بها على نية الزواج، فهو على ما يظهر شهر نوفمبر سنة 1795، وكانت جوزفين تقيم حينئذ في شارع الكلية مع عمتها فاني دي بومارشيه، التي قال فيها أحد الشعراء ما معناه: «إن فاني جميلة وشاعرة، ولكن فيها عيبين؛ الأول أن وجهها مصطنع، والثاني أنها لا تنظم شعرها ...»
نامعلوم صفحہ