وفي ذلك، ولأولئك، ما يقول الله سبحانه: { وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ( [فاطر: 29]، فافهموا هداكم الله عن الله هذا البيان والنور . واعرفوا قوله، جل جلاله: { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } [النور: 36 - 37]. واعلموا أن التجارة مشغلة وملهاة، لكل من آثر على دينه دنياه، وبخل عن الله من الدنيا بما أعطاه، واقتصر لنفسه مما ينجيها، على رجاء المغفرة وتمنيها، مقيما على المعاصي لا يزول عنها ولا يبرح، ظالما لنفسه لا يشفق عليها ولا ينصح، ولا يقبل من رشده وهداه، إلا ما وافق محبته وهواه، عدوا لمن نصحه في الله، معرضا عمن دعاه إلى الله، لم ينصفه مفتر عليه فيه بهآت، له جلبة بجهله وأصوات، يقول الباطل، ويتبع الجاهل، ليس له في نصح الناصحين حظ ولا نصيب، ولا له مع جهله من الصالحين ولي ولا حبيب، فهو كما قال صالح نبي الله ورسوله، صلوات الله عليه ورضوانه، إذ تولى عن قومه، عند نزول عذاب الله بهم ونقمه، { فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين } [الأعراف: 79]. وقوله: { فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون } [الشعراء: 150 - 151]. فأسرف الاسراف وأفسد الفساد، كل ما صد بأهله عن الهدى والرشاد.
وأرشد الرشاد والهدى، وأقصده إلى كل خير قصدا، تنزيل الله ووحيه، وأمره فيه ونهيه، وهو يا بني: الذكر الحكيم، وفيه ما يقول الخبير العليم: { ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم } [آل عمران: 58].
صفحہ 51