الإنسان هش كقشة، قد تميته الأحداث، لكن فعلا واحدا من الحب الخالص كفيل ببث روح الحياة فيه.
لا تستهن بالكلمة الطيبة، قد تحيي بها روحا.
وعلى الفور أتاني إعجابان لكل منشور؛ أحدهما من صديقتي مريم، والآخر من الملك «سليمان». إنه متصل الآن! يجلس إلى جهازه ويقرأ منشوراتي! ابتسمت، وفتحت طلبات الصداقة، أغلبها من أقاربي، وبعض صديقاتي في الثانوية، وكان منها حسابات لا أعرف أصحابها فقمت بحذفهم، ثم عدت إلى صفحتي. لكن لحظة! كأنني قرأت اسم «شادي أشتر» من بين الحسابات التي حذفتها؟ فتحت صفحة طلبات الصداقة مجددا، لكن يا للأسف لقد ذهب الاسم، لا بأس، كتبت في محرك البحث اسمه، وظهرت لي ثلاثة حسابات تحمل الاسم ذاته، فتحتها كلها وعرفته على الفور، كان هذا سهلا جدا؛ فصفحته مليئة بصور الخط العربي مما كان يرسمه ويزخرفه، كما ظهرت صورته على «البروفايل» إنه هو بلا شك، تذكرت شكل وجهه أخيرا. كانت الصورة في مطعم «نيو مول» تحديدا، عرفت ذلك من مقاعده الجلدية الحمراء، وأمامه طبق من المثلجات المزينة بالبسكويت والشوكلاتة بطريقة فنية جميلة، وشمسية خضراء صغيرة تكمل جمالية الطبق. ضغطت على زر قبول الصداقة، ورحت أفتح صوره، فلم أجد أي صورة له سوى واحدة، ملامحه تتسم بالبساطة والطيبة، بعينين بنيتين واسعتين وشعر أسود ولحية خفيفة، كان يرتدي قميصا أبيض وسترة سوداء من الشامواه. وبينما كنت أتأمل صورته، ظهر لي إشعار جديد بتعليق على منشوري، إنه من الملك! كتب: «الحياة تتدفق فينا بلا انقطاع، يكفي أن نفتح عيون قلبنا عليها لنشعر بالحب.» ضغطت على زر الإعجاب بتعليقه، فوصل تعليقه الثاني على منشوري الثاني: «الكلمة الطيبة صدقة.» وأيضا وهبت تعليقه إعجابي!
عدت إلى شادي، جمعت بعض المعلومات عنه من خلال صفحته؛ فهو متحفظ كثيرا، عرفت ذلك من قلة أصدقائه، وعدم وجود صور له سوى اثنتين، ومن خلال منشوراته؛ فمنشوراته تنحصر في شيئين اثنين؛ لوحاته الخاصة بالخط العربي، ولوحات مختلفة لفنانين عالميين. كما أن تعليقاته وردوده لأصدقائه مختصرة وقصيرة ورسمية جدا؛ فغالبا ما يجيب على إطراء أصدقائه وأقاربه ب: «شكرا لك، أشكر مرورك وكلماتك، هذا من لطفك وذوقك.» عرفت أيضا أنه درس الآثار وهو يعمل في المتحف الوطني في حلب، كم هذا ممل! لا بد أنه محبط جدا ليعمل في متحف. ومن يدرس الآثار أصلا سوى من لم تؤهله علاماته في الثانوية لدراسة اختصاص أفضل؟ ما علينا، يبدو أنه لم يكن «شاطرا» في المدرسة.
ثم تذكرت «رندة»، ياه! كم من الأحداث مرت! لقد نسيتها تقريبا، ونسيت شغفي بها وبقصتها مع «جدو»، كنت قد راسلتها يوما. عدت إلى الرسائل القديمة المرسلة، فتحت رسالتي لها، لكنها لم تصلها، يبدو أنها لا تستقبل رسائل أبدا من الفيسبوك، مشكلة! كيف سأتواصل معها الآن؟ لم أرغب أن أكتب علنا على صفحتها، سيكون هذا مزعجا. فتحت صفحة معلوماتها مجددا، أبحث عن أي عنوان يوصلني إليها. وجدت عنوانا بريديا، نسخته ورجوت أن يصلني بها. والآن، ماذا سأكتب لها؟
كتبت ومحوت كثيرا، لم يسعفني خيالي في اختلاق سبب لتواصلي معها. ما الذي يمكن أن يصلني بسيدة خمسينية؟ سوى معرفتي بقصتها مع جدو نور؟ وبالطبع فإن هذا آخر ما كنت أنوي أن أقوله لها. كتبت أخيرا:
سيدة رندة، تحية طيبة
من خلال المصادفة الجميلة تعرفت على صفحتك، وأعجبتني منشوراتك، أحسست أنني أشبهك، وأريد فعلا أن أستفيد منك أكثر. لقد قبلت صداقتي على صفحتك في الفيسبوك، وأرجو من لطفك قبولي للحديث معك على الماسنجر أو أي وسيلة أخرى.
ممتنة لك أنا كثيرا.
سما صايغ
نامعلوم صفحہ