مُحَقَّقًا، وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلُ وَالْعُدُولُ بِالتَّوَسُّطِ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، فَنَقُولُ: إِنْ كَانَتْ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ مُتَرَتِّبَةً عَلَى الْأُخْرَى فَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ تَحْرِيمٍ، كَمَنْ يَقْرَأُ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا، أَوْ بِالنَّصْبِ آخِذًا رَفْعَ آدَمَ مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِ ابْنِ كَثِيرٍ وَرَفْعَ كَلِمَاتٍ مِنْ قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَنَحْوَ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا بِالتَّشْدِيدِ مَعَ الرَّفْعِ، أَوْ عَكْسِ ذَلِكَ، وَنَحْوِ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ وَشِبْهُهُ مِمَّا يُرَكَّبُ بِمَا لَا تُجِيزهُ الْعَرَبِيَّةُ وَلَا يَصِحُّ فِي اللُّغَةِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّا نُفَرِّقُ فِيهِ بَيْنَ مَقَامِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ قَرَأَ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ كَذِبٌ فِي الرِّوَايَةِ وَتَخْلِيطٌ عَلَى أَهْلِ الدِّرَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ النَّقْلِ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالتِّلَاوَةِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ صَحِيحٌ مَقَبُولٌ لَا مَنْعَ مِنْهُ وَلَا حَظْرَ، وَإِنْ كُنَّا نَعِيبُهُ عَلَى أَئِمَّةِ الْقِرَاءَاتِ الْعَارِفِينَ بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ مِنْ وَجْهِ تَسَاوِي الْعُلَمَاءِ بِالْعَوَامِّ لَا مِنْ وَجْهِ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ، إِذْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ تَخْفِيفًا عَنِ الْأُمَّةِ، وَتَهْوِينًا عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْمِلَّةِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِمْ قِرَاءَةَ كُلِّ رِوَايَةٍ عَلَى حِدَةٍ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ تَمْيِيزُ الْقِرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ وَانْعَكَسَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّخْفِيفِ وَعَادَ بِالسُّهُولَةِ إِلَى التَّكْلِيفِ، وَقَدْ رُوِّينَا فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: (لَيْسَ الْخَطَأُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ، وَلَكِنْ أَنْ يُلْحِقُوا بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ) .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِّيِّ عَنْ عُمَرَ، وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْحَدِيثَ.
وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ عَنْ أُبَيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَقَالَ: أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَعُونَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ بِثَلَاثَةٍ
1 / 19