مِنْ وُجُوهِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا عَنْ ثِقَةٍ وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِمَّا لَا يُقْبَلُ، إِذْ لَا وَجْهَ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ فَمَنْعُهُ أَحْرَى وَرَدُّهُ أَوْلَى، مَعَ أَنِّي تَتَبَّعْتُ ذَلِكَ فَلَمْ أَجِدْ مَنْصُوصًا لِحَمْزَةَ لَا بِطُرُقٍ صَحِيحَةٍ وَلَا ضَعِيفَةٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَقِيَ قِسْمٌ مَرْدُودٌ أَيْضًا وَهُوَ مَا وَافَقَ الْعَرَبِيَّةَ وَالرَّسْمَ وَلَمْ يُنْقَلِ الْبَتَّةَ، فَهَذَا رَدُّهُ أَحَقُّ وَمَنْعُهُ أَشَدُّ وَمُرْتَكِبُهُ مُرْتَكِبٌ لِعَظِيمٍ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَقَدْ ذُكِرَ جَوَازُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مِقْسَمٍ الْبَغْدَادِيِّ الْمُقْرِيِّ النَّحْوِيِّ، وَكَانَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو طَاهِرِ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ فِي كِتَابِهِ الْبَيَانِ: وَقَدْ نَبَغَ نَابِغٌ فِي عَصْرِنَا فَزَعَمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ عِنْدَهُ وَجْهٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِحَرْفٍ مِنَ الْقُرْآنِ يُوَافِقُ الْمُصْحَفَ فَقِرَاءَتُهُ جَائِزَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، فَابْتَدَعَ بِدْعَةً ضَلَّ بِهَا عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ.
(قُلْتُ): وَقَدْ عُقِدَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَجْلِسٌ بِبَغْدَادَ حَضَرَهُ الْفُقَهَاءُ وَالْقُرَّاءُ وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِهِ، وَأُوقِفَ لِلضَّرْبِ فَتَابَ وَرَجَعَ وَكُتِبَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مَحْضَرٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ، وَأَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي الطَّبَقَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْقِيَاسِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَلَا رُكْنٌ وَثِيقٌ فِي الْأَدَاءِ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ كَمَا رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ﵄ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ مِنَ التَّابِعَيْنِ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ يَأْخُذُهَا الْآخِرُ عَنِ الْأَوَّلِ فَاقْرَءُوا كَمَا عُلِّمْتُمُوهُ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْكَثِيرُ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ، كَنَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو يَقُولُ: لَوْلَا أَنَّهُ لَيْسَ لِي أَنْ أَقْرَأَ إِلَّا بِمَا قَرَأْتُ، لَقَرَأْتُ حَرْفَ كَذَا كَذَا وَحَرْفَ كَذَا كَذَا، (أَمَّا) إِذَا كَانَ الْقِيَاسُ عَلَى إِجْمَاعٍ انْعَقَدَ، أَوْ عَنْ أَصْلٍ يُعْتَمَدُ فَيَصِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَغُمُوضِ وَجْهِ الْأَدَاءِ، فَإِنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ قَبُولُهُ وَلَا يَنْبَغِي رَدُّهُ لَا سِيَّمَا فِيمَا تَدْعُو إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ وَتَمَسُّ الْحَاجَةُ مِمَّا يُقَوِّي وَجْهَ التَّرْجِيحِ وَيُعِينُ عَلَى قُوَّةِ التَّصْحِيحِ، بَلْ قَدْ لَا يُسَمَّى مَا كَانَ كَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْوَجْهِ الِاصْطِلَاحِيِّ، إِذْ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نِسْبَةُ جُزْئِيٍّ إِلَى كُلِّيٍّ كَمِثْلِ مَا اخْتِيرَ فِي تَخْفِيفِ بَعْضِ الْهَمَزَاتِ لِأَهْلِ الْأَدَاءِ وَفِي إِثْبَاتِ
1 / 17