وَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁، وَقَاتَلَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَهْلَ الرِّدَّةِ وَأَصْحَابَ مُسَيْلِمَةَ، وَقُتِلَ مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوُ الْخَمْسِمِائَةِ، أُشِيرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ خَشْيَةَ أَنْ يَذْهَبَ بِذَهَابِ الصَّحَابَةِ، فَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَأْمُرْ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ اجْتَمَعَ رَأْيُهُ وَرَأْيُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ بِتَتَبُّعِ الْقُرْآنِ وَجَمْعِهِ، فَجَمَعَهُ فِي صُحُفٍ كَانَتْ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ ﵁ حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ ﵁ حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ ﵂.
وَلَمَّا كَانَ فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ ﵁ حَضَرَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ فَتْحَ أَرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ، فَرَأَى النَّاسَ يَخْتَلِقُونَ فِي الْقُرْآنِ وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ لِلْآخَرِ قِرَاءَتِي أَصَحُّ مِنْ قِرَاءَتِكَ، فَأَفْزَعَهُ ذَلِكَ وَقَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَقَالَ: أَدْرِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخْهَا ثُمَّ نَرُدَّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْهَا إِلَيْهِ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ يَنْسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدٌ فِي شَيْءٍ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَكُتِبَ مِنْهَا عِدَّةُ مَصَاحِفَ، فَوَجَّهَ بِمُصْحَفٍ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَمُصْحَفٍ إِلَى الْكُوفَةِ، وَمُصْحَفٍ إِلَى الشَّامِ، وَتَرَكَ مُصْحَفًا بِالْمَدِينَةِ، وَأَمْسَكَ لِنَفْسِهِ مُصْحَفًا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْإِمَامُ، وَوَجَّهَ بِمُصْحَفٍ إِلَى مَكَّةَ، وَبِمُصْحَفٍ إِلَى الْيَمَنِ، وَبِمُصْحَفٍ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ الْمَعْصُومَةُ مِنَ الْخَطَأِ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْمَصَاحِفُ وَتَرْكِ مَا خَالَفَهَا مِنْ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ وَإِبْدَالِ كَلِمَةٍ بِأُخْرَى مِمَّا كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ ثُبُوتًا مُسْتَفِيضًا أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَجُرِّدَتْ هَذِهِ الْمَصَاحِفُ جَمِيعُهَا مِنَ النُّقَطِ وَالشَّكْلِ لِيَحْتَمِلَهَا مَا صَحَّ نَقْلُهُ وَثَبَتَ تِلَاوَتُهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، إِذْ كَانَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْحِفْظِ لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْخَطِّ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْرُفِ الَّتِي
1 / 7