"لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها فإذا ضيَّعوها هلكوا" (١)، يُرَدُّ بأن ذلك ليس بالقوي كما أشار إليه ابن حجر الهيتمي بقوله بعد سوقه: (إنه استدلال لا بأس به عند من يراعي المصالح المرسلة التي قال المحققون أنها لا تختص بالمالكية بل ما من مذهب من المذاهب الأربعة إلَّا وعمل بها في مسائل كثيرة، لكن المالكية لما أكثروا من رعايتها نسب القول بها إليهم). انتهى (٢).
فتأمل قوله: (إنه استدلال لا بأس به)، ولم يصفه بالدقة أو القوة أو نحو ذلك، مما يدل على وقعه عنده، فإن نفي البأس إنما يستعمل في محل يتوهم فيه ثبوته ويقوى ذلك الوهم، فيحتاج للنص على نفيه.
ويبين ذلك ابن حجر نفسه، قال في رد قول من قال بأن منع مالك للمنصور أو لولده من الهدم والإِعادة علي بناء ابن الزبير خوف ذهاب الهيبة، ما لفظه: (إذ تغيير الملوك لها حتى تذهب هيبتها من القلوب مع ما استقر في النفوس من تعظيمها، بعيد جدًّا، فهو متوهم لا مظنون). انتهى (٣).
_________
(١) ابن ماجه حديث (٣١١٠)، وأحمد في مسند عياش بن أبي ربيعة حديث (١٩٠٧٢).
(٢) المناهل العذبة: ٩ / ب.
(٣) المناهل العذبة: ١٠ / ب. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": ٤/ ٢٤٢: حكى ابن عبد البر وتبعه عياض وغيره عن الرشيد أو المهدي أو المنصور، أنه أراد أن يعيد الكعبة على ما فعله ابن الزبير، فناشده مالك في ذلك، وقال: أخشى أن يصير ملعبة للملوك، فتركه. قلت: وهذا بعينه خشيه جدهم الأعلى عبد الله بن عباس ﵄، فأشار على ابن الزبير لما أراد أن يهدم الكعبة ويجدد بناءها بأن يرم ما وهي منها، ولا يتعرض لها بزيادة ولا نقص ... إلخ. ومثله في المناهل العذبة: ص ٢٤ / أ.
ومناسبة إيراد المصنف هذه النقول إرادته تأييد ما ذهب هو إليه من منع هدم ما آل إلى السقوط من جدران الكعبة، وله في ذلك رسالة تقدم ذكرها في ترجمته، ولكن الاستفتاء الذي جرى بعد ذلك جرى أفتى فيه بقية العلماء بالجواز، وهدم فعلًا كل ما كان آيلًا للسقوط في جمادى الآخرة ١٠٤٠ هـ. ينظر تفاصيل تلك الفتاوى في: "التاريخ القويم": ٣/ ٢٠٩ - ٢١١.
1 / 39