هللي أيتها النواقيس؛ فرنينك أبدا طلي جديد، وقديم قديم يفاخر العالم بالمجد والقدمية.
ذكرينا أيتها النواقيس بتلك الأيام الخوالي؛ أيام البساطة والهناء والعيش الرغيد، أيام كان الشعب يجتمع في باحات المعابد حاملا إلى الإله باكورة الأثمار والأزهار. ذكرينا بأيام لعب الأولاد الأنقياء، ورقص الشبان الأقوياء، ونصائح الشيوخ والحكماء.
اهتفي اهتفي أيتها النواقيس، واطمسي برنينك عربدة السكار، وأنين المرضى، وضجيج المفسدين، أعيدي علينا ذكرى الدهور الماضيات، يوم كانت الملوك تترنم «بزيت يبهج الوجه، وبخبز يشدد قلب الإنسان»، ويوم كانت الأرامل والأيتام تسابق الفجر إلى الحقول، وتجمع كفايتها مما «فرضته الشريعة على الحصادين». •••
ذكرينا أيتها النواقيس بتلك الأيام السود والصحائف السود، لقد نسينا - وما أكثر ما ينسى الإنسان! ذكرينا بأيام كان لرنينك دوي أصم كالهاوية، وبارد كالموت! يوم كانت حشرجة المائتين، ولعنات المصلوبين تقطع أنينك، فتسمعنا صوت مناحة لبنان يبكي خلف الجنازة الكبرى.
ذكرينا بالعيد يتلو العيد والشعب يدخل الكنائس منكس الرأس، ويخرج منكسر القلب والنفس؛ وكافرا؛ لأن الجوع كافر.
ذكرينا بهم كلهم، بالمنفيين والمصلوبين، بالجائعين والمضطهدين! ذكرينا بهم قبل أن ننسى؛ لأن على جماجمهم وعظامهم قام الوطن الجديد؛ ولأن استشهادهم فتح لنا بابا للمطالبة بالحق؛ ولأن بأنينهم - بأنين مائة وثمانين ألفا - كتب لنا صك ثمين نحمله اليوم وفي كل يوم، وبعد مائة سنة، وبعد مئات السنين، فتنفتح أمامنا الأبواب الموصدة، والقلوب العمياء الصماء ...
ذكرينا بهم، بأثر واحد يقام لهم، بتمثال واحد، بنصب واحد يرفع إكراما لمن باستشهادهم بسم الأمل في وجه المتفائلين، وعاش الرجاء في صدور الأحرار.
2
هللي يا أجراس العيد، اهتفي عاليا، وسبحي مليا، وليتعال صداك من أقصى هذه الجبال إلى أقصاها حتى تدوي به أعماق المغاور وأجواف الكهوف ...
هللي أيتها النواقيس، بهدوء متقطع، أو بحدة متسارعة، فصوتك أبدا حلو لذيذ، وما رنينك سوى عاطفة الإنسان القديم يسحب ضعفه، ويحتمي في ظل الإله الكريم.
نامعلوم صفحہ