فتجيب المرأة الثعلبية: تسعفني؟ تأملي، أربعة أولاد عدا أولادي!
أربعة أولاد. عبارة كانت أصداؤها ترن مدى الأيام في فم هذه المرأة، وفي جوانب البيت، وفي أعماق قلبي، إلى أن أصبحنا ثلاثة؛ إذ ماتت أختي التي من أجلها صرت أما!
وفي يوم ثكلي كان وجه تلك المرأة يتجلد ليخفي عن الناس أمارات الفرح السري.
كل هذه التذكارات تتسارع اليوم متراكضة، وتبرز أمامي واحدة واحدة، وأشدها إيلاما تذكار ذلك اليوم إذ ضربتني هذه المرأة للمرة الأولى، قالت: يا هند، اذهبي إلى أم إلياس وأحضري لنا الحليب. نظرت من الباب إلى السواد المنتشر خارجا وارتجف قلبي وقلت: «أخاف»، أجابت: أف لهذه التربية الناقصة! يجب أن تكوني شجاعة. اذهبي!
ذهبت تحت الظلام في الطريق المحجرة المؤدية إلى البيت القائم في أطراف القرية، كنت أسير فترن الحجارة تحت قدمي فأحسب أن رجلا يسير ورائي، وأسرع فيزداد صراخ الحجارة، ويصل إلى مسمعي كقرع الطبول، تابعت السير إلى أن وصلت إلى الكنيسة القائمة بجانب السنديانة الكبرى، الناشرة أغصانها فوق حجرة أمي، فرميت بنفسي إلى ذلك الحائط الذي ضم عظامها، وأخذت أبكي وأنادي: يا أمي! يا أمي!
وبينما أنا كذلك ارتفع من الوادي نباح كلاب كثيرة، فانتبهت أنني بين المدافن، وتراءت لي صور الهياكل البشرية تعلوها الجماجم المخيفة، فصرخت صوتا رددته الأودية ألوفا، وهمت وقد نسيت الحليب والوعاء.
ووصلت وخالتي تنتظرني، ولما رأت أنني لا أحمل شيئا انهالت علي تصفعني، ثم دفعتني إلى غرفة وأقفلت علي الباب.
فارتميت على البلاط البارد وجسدي ينتفض، وكلي شوق إلى الارتماء على صدر حنون دافئ ... •••
أيها الرجل الكريم، يا من نشلتني من جحيمي، وبدل أن يكون أجرك عبوديتي الدائمة فتحت يديك وملأت بيت هذه المرأة خيرا وبركة.
لعلك بهذا تشتري شبابي وفتوتي! إنني عجوز أيها الرجل؛ عجوز قديمة هرمة. وكيف تكون شابة تلك التي ما بسمت للمحبة ولا للفتوة ولا للشباب؟!
نامعلوم صفحہ