الأمومة شيء عظيم كهذا الوجود؛ إلهي كالملأ الأعلى.
في الأمومة كل ما في الطبيعة من حرارة وندى وأمطار وعواصف وصواعق وسكون وإعصار.
في الأمومة ينابيع الحب والألم، والسلوى واليأس، والصبر الجميل!
كل ما في الحياة والموت من الأم وإلى الأم!
سكوت، سكوت، أيها الناس. تقول الأمومة.
أنا والموت واحد؛ فلا تفصلوني عن نفسي، ولا تحولوا بضجيجكم بيني وبين كياني.
مي تتنهد
مي ابنة في الثامنة من عمرها، ذات بشرة سمراء زاهية كسنابل القمح، وخدين حمراوين بلون الشقيق، وفم وردي عجيب في صغره نحيف لطيف، حتى يحسب الناظر عن بعد إلى مي أن هنالك حبة كرز حمراء في صفحة وجهها البيضاء.
وحاجبا مي قوسان مشدودتان مقفلتان فوق أنفها الصغير، وعيناها ... آه من عينيها الصغيرتين كلوزتين، الكبيرتين كهذا الوجود، بما في هذا الوجود من كواكب وأقمار، وأزهار وأنوار، وشواهق وبحور ...!
أما شعرها فأسود لماع متجعد غزير، قصير إلى ما فوق عنقها الصغير. ولو ترك شعر مي مذ ولدت لكان اليوم كالحبال المدلاة لقوة الحياة في أصوله، ولكن المقص لا يبرح يمر فوق تلك الذؤابات الجميلة؛ ذلك لأن قلب أم مي - كقلوب الملايين من الشرقيات - ما كان مرة طفلا، بل حمل هموم الحياة في العاشرة، وشاخ وذوى في العشرين؛ لذا تعمل أم مي على إبقاء ابنتها طفلة طفلة، إلى أن ترتوي ضحكا ولعبا وقفزا وركضا، فكأنها بهذا تريد أن تعطيها كل ما حرمته هي في فجر الحياة.
نامعلوم صفحہ