كيف نسحق بقوة خلودك يا إله الدهور؟
هو الرق كفن بالتراب هذه البقعة المخصبة، وصوب سهامه إلى إرادة شعب فأرداه مشلولا، فإذا ما تزعزع هذا الكابوس يوما كان النشاط القومي يستفيق، وإذا ما رومية ارعوت ومنحت لبعض مدن السواحل حق الجنسية الرومانية، أو أشركت أبناءها في الحكم؛ كان النبوغ السوري يفتح له سبيلا، ويشرف بلادا أنجبته، وبلادا عرفت كيف تستفيد منه ...!
أراد تراجان أن يخلد اسمه فاستعان بمهندس سوري دمشقي، اسمه أبولودور ، فرسم له خطة موقعة من أمجد مواقعه، وأنشأ له على نهر الدانوب جسرا هائلا، وشيد له معاهد الفن الروماني الخالد ، ومنها قوس النصر وعمود تراجان في رومية.
كذا نبغت جوليا دونا الحمصية السورية ذات الجمال والذكاء السامي، فتسلطت على زوجها - وهو جندي أفريقي - ودفعته إلى اقتحام الأرجوان الروماني. وبفضلها حكم أمبراطرة سوريون من عائلة سيفير مملكة تعد مائة مليون نفس، وبفضلها دعا هؤلاء الأمبراطرة ثلاثة من فقهاء بيروت وحمص وصور، وهم: بابنيان والبيان وبولس، إلى استلام أسمى الوظائف القضائية؛ أي وظيفة قاضي القضاة، فأوصلوا الشرع الروماني بعلمهم وقضائهم إلى ذروته العليا.
من يدري ما كان حل بهؤلاء الفقهاء، ومنهم واحد استحق لقب أمير المشترعين، لو عاشوا في زمن الاستبداد والجهل؟
ربما كان بابنيان أفندي تمكن من أن يصير رئيس كتبة في إحدى المحاكم، هذا لو جمل خطه إلى الحد الأخير.
وكان البيان أفندي ينال وظيفة عضو بداية، إذا هو لجأ إلى ذوي النفوذ وتحاشى غضب رئيس المحكمة، أما بولس أفندي فربما كان يتوصل إلى وظيفة مدير إجراء إذا تزوج بابنة أحد كبار الموظفين.
أيها السادة إذا وجب على الإنسان أن لا يفاخر بنقائصه، فقد وجب عليه على الأقل الإقرار بها. إن للمستبدين بنا، إن للذين كبلوا قوانا وسيرونا إلى المهاوي شركاء في الجريمة هي: انقساماتنا، ومنافساتنا، وتطاحننا بعضنا ببعض.
كثيرا ما سبكنا حديد أغلالنا وسلاسلنا بأيدينا فأدخلها الظالمون في أعناقنا وهم واثقون بأن انقساماتنا تضني قوانا، فلا نتمكن من تكسير القيود. إن الرق الاختياري الذي ضرب علينا بعد الرق الإجباري هو أشد أنواع العبودية؛ لأنه يستمد غذاءه من تخاذلنا.
واليوم وقد تحررنا فماذا ننتظر، إن الاستقلال الحقيقي الذي ينشده الناس لا تلده المعاهدات الدولية ... الحرية الحقيقية التي تمكن الشعوب من السيادة على نفسها هي حرية الإرادة، وهذه تنال بالتربية الثابتة وبالجهود المتتالية. الحرية لا تنال بسن دستور جديد، ولا بإنشاء مجلس نواب.
نامعلوم صفحہ