102

هو ينظر إلى المجتمع ويعد فيه الصالحين والمصلحين، ثم يفتش عن سبب الصلاح والإصلاح فيرى خلف الستائر شبح امرأة، الأم والأخت والزوج، يرى المرأة الحاملة، المرضعة، التعبة، الساهرة، القلقة، الواجفة، الملوعة.

يرى الملكة، والكاهنة، والعالمة، والمخترعة، والمكتشفة، والمعلمة، والممرضة، ويرى تلك ... تلك المجندة لبث دعوة الحرية بين الشعوب المستعبدة، وبث روح السلام بين الأقوياء المفترسين، تلك التي بما تكتب وما تنشد وما تخطب توحي إلى الرجل آيات المجد، فيسير ونفسه مستودع للقوة والمكابرة، وقلبه سر من أسرار الغلبة!

ثم يحول باز وجهه شطر مواكب البؤساء، من أطفال مرضى ومن سكيرين ومجرمين ومستعبدين، فيلتاع؛ لأنه يدرك أن كل هذا الشقاء ما كان لو فتحت أبواب الحياة في وجه المرأة.

إنه يشتاق إلى يوم تزول فيه هذه المتاعب، يوم يرتفع نصف العالم فيرفع العالم «نصف الكائنات مشلول، مريض، مستعبد، اشفوه، حرروه، فيشفيكم ويحرركم، لا تشكوا بمقدرته فلا حد لها تقف عنده، آمنوا بعطفه، وكرمه، وإخلاصه، وخذوا الأدلة بالأرقام.»

صدقوني أيها الناس - كذا يقول باز - صدقوني أنكم واهمون في هضم حق تلك التي يكفيها فخرا أنكم نسيج يديها، ودماء قلبها. هاكم الأسماء والأدلة والتواريخ؛ أفلا تصدقون؟

لهذه الفكرة طبع كتاب «إكليل غار»، وصاحبه يطلب مني انتقاده؟ معاذ الله! ليكتف مني أن أسكت عن مديحه.

وليعلم أن كتابه هو عاطفة إخلاص ومحبة، وهذان هما - على الدوام - فوق لغويات البشريين، وفوق لغات الملائكة.

وديع صبرا

لا أظن أنه يوجد بين قراء هذه السطور من سكان بيروت من يجهل الأستاذ وديع صبرا، فقد عرفته هذه المدينة موسيقيا نابغا، وعاملا ممتازا في عالم الفن، على أن له مزية أخرى لا يعرفها الناس، وهي العمل في بناية هذا الوطن من قبل أن يصير وطنا؛ لهذا أقول بفخر: إن وديع صبرا هو من الرجال الذين يعملون منذ سنين في سبيل عمل لم يقدم عليه سواه، لا من الغربيين ولا من الشرقيين. وهذا العمل سيفتح صفحة جديدة في حياة الموسيقى الشرقية.

من المعلوم أن الموسيقى العربية الحالية مأخوذة عن الموسيقى البيزنطية، وأن الموسيقى الشرقية كلها غير مقيدة بالعلامات التي تتميز بها الموسيقى الغربية، ولم يقدم أحد إلى اليوم على ربط الموسيقى الشرقية بالعلامات المعروفة ب «النوت» - بطريقة أصولية - لأن هذه العلامات وضعت للأنغام الغربية، وهذه الأنغام هي نفسها ناقصة نسبة إلى الموسيقى الشرقية التي هي أقرب إلى الأصوات الطبيعية.

نامعلوم صفحہ