إن النهضة لم تصل إلى زمن البلوغ، وهي اليوم نواة! نواة هي حياتنا، سياسية كانت أم أدبية أم اجتماعية أم اقتصادية. وإذا جاز لي أن أستعمل تعبيرا طبيا أقول: إننا لم نزل في طور الحضانة - بمعناها العلمي - لا الوصاية ...
وعندي أن كلمة «انتداب» التي نزلت مع ما نزل من عصارة دماغ ولسن - رضي الله عنه - هي كلمة مغلوطة! فالانتداب هو الإشراف على كائن مكتمل إنما يعوزه الإرشاد، لا على الأطفال، بل الرضع، بل الأجنة ...
كتاب باز
إن الكتاب، والشعراء، والمصورين، هم رسل السعادة الروحية إلى الناس.
الإنسان ليس حيوانا يأكل ويشرب ويسكر وينام وحسب ...
للإنسان من أقدم أزمنة التاريخ ولوع بالملذات الأدبية، وفيه نزوع إلى تعميمها بين الناس.
هذه أساطير الأقدمين وأشعارهم وتماثيلهم تطفح بالأفكار والصور والأحلام العذبة نقف أمامها خاشعين، طربين برنينها وخطوطها وألوانها فنقرؤها، ثم نقرؤها، ولها أبدا طلاوة الجديد، ولها دواما حلاوة الأثمار الندية المبردة، فهي في حياتنا - نحن عشاق الخطوط والألوان والألحان والأحلام - مثل واحات يأوي إليها المسافر الملذوع بشمس الصحراء وبحر رمالها.
الكتب هي الواحات المخضلة وسط صحراء الحياة المقفرة، نقف إليها ساعة فننهل نهلة تنسينا مشاق السفر، أو تساعدنا على إكمال الطريق.
فالتي تنسينا مشاق السفر وتبرد شفاهنا العطشى لحظة هي الكتب الشعرية ذات الألفاظ المشبعة نحتا وصقلا وتوازنا وإيقاعا، أصحابها هم المطربون المغردون، ولإنشادهم شيء من حلاوة أحاديث يسوع على جبال اليهودية، ومن طلاوة نشيد المؤذنين بعيد الغروب في حي من أحياء المدائن الشرقية النائمة ...
أما تلك التي نقف إليها فنأخذ منها زادنا لمتابعة المسير، فهي المؤلفات الاجتماعية التي قد تبدو ناشفة لما فيها من النظريات ومن الأرقام، وأصحابها هم رسل الإصلاح في العالم، هؤلاء يعيشون لنشر فكرة يعتقدون أن في تعميمها خيرا للناس، وقليلا ما هم يخطئون.
نامعلوم صفحہ