نابوليون بونابارت في مصر
نابوليون بونابارت في مصر
اصناف
ويرى القارئ في هذا الكتاب إشارة إلى ما كابدته وقاسيته من صعوبة البحث، ومن إظهار الأسف من أن الحكومة المصرية، وكتاب اللغة العربية منذ زمن محمد علي، لم يظهروا أقل عناية بوضع كتاب مفصل عن تاريخ الحملة الفرنسية، من المصادر العديدة والمجلدات الضخمة الموضوعة عن هذه الفترة باللغة الفرنسية، مع تحقيق كان أقرب سهولة في أيام محمد علي باشا وإبراهيم باشا مثلا، منه في هذا الزمن بعد طول المدة وانقراض الذين عاشوا في تلك الأيام القريبة، فأوجه نظر القارئ إلى تلك الملاحظة.
ومن هذا البيان يظهر للقارئ المفكر أنني في هذا الكتاب لم أقم إلا بنصف الجزء الأول من الأجزاء الأربعة التي وضعتها هيكلا لكتاب تاريخ مصر في القرن التاسع عشر، فهل من يقدم على إتمام الأجزاء الباقية على هذا النمط أو أحسن منه؟ أما أنا فلا أؤمل أن أوفق للزيادة على هذا الذي فعلت، إلا أن يشاء الله غير ذلك. •••
ولما لم يعد الكتاب تاريخا كاملا لمصر في القرن التاسع عشر، كما أردت، ولم يصبح تاريخا كاملا للحملة الفرنسية من بدئها إلى نهايتها، اخترت له اسمه الحالي «فتح مصر الحديث»؛ لأن اليوم الذي وطئت فيه قدم نابوليون بونابرت أرض مصر بحملته، كان يوما فاصلا بين القديم والحديث، وكان فتحا لباب مصر ومسألتها على مصراعيه للتدخل الأوروبي، وقد قلت في هذا الصدد: «كان ظهور السفن الفرنسية، بمن نقل من جنود وضباط وقواد وعلماء، وذخائر وبنادق ومدافع، فاتحة عصر جديد لمصر، بدأ بالاحتلال الفرنسي، تحت قيادة أعظم القواد الحربيين الذين أظهرهم هذا الوجود، ثم عقب بالنزاع بين أوروبا، حول هذه البقعة المسماة وادي النيل ... ذلك النزاع الذي ما برح يظهر على جميع الأشكال، وغريب الأحوال، من مطاردة الفرنسيين وإخراجهم، إلى معاضدة المماليك، بإنزال قوة إنكليزية على الشواطئ المصرية، ثم بمقاومة محمد علي، وإيقافه عند حد لا يتعداه، في مشروعاته ومطامعه، ثم بالمعارضة في فتح قنال السويس، إلى التدخل في أمور مصر المالية، حتى كانت الثورة العربية، والاحتلال الإنكليزي والحماية الظاهرة، والمقنعة ... كل هذه الحوادث والمشاكل خلقها وضع فرنسا قدمها في مصر، فإنه من ذلك الحين، أوجست إنكلترا خيفة من تعاظم نفوذ أية دولة أوروبية في وادي النيل، أو تقوية أية سلطة محلية، مما قد يكون عائقا في تنفيذ سياستها القاضية بأن يكون طريقها إلى الهند في يدها ... فكان لها القدح المغلي في كل هاتيك الحوادث والمشاكل، إلى أن استقر قدمها في مصر، عقب الثورة العرابية ... ومع ذلك فستبقي مصر سببا لمشاكل أوروبا ومنازعاتها وحروبها، حتى تنال استقلالها التام بطريقة تجعل الباب مفتوحا، والثقة في التساوي كاملة، أو يحكم الله بأمر من عنده وهو خير الحاكمين». •••
لهذا سميته «فتح مصر الحديث»؛ أي: فتحها للنزاع الدولي, والمدنية الأوروبية، والمستقبل السعيد لوادي النيل من البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة فكتوريا نيانزا.
ولن يقف في سبيل الوصول إلى هذه الغاية، بهمة الجيل الجديد، والقومية الحديثة والتقدم إلى الأمام أحد، كائنا من يكون!
هذا هو اعتقادي في مستقبل مصر الكبرى، أضعه أمام أبنائنا وأحفادنا منارا يهتدى به، وغاية تتوجه إليها النفوس والقلوب والعقول.
والله سبحانه وتعالى يحقق للناس ما يتوجهون إليه بإخلاص ومثابرة وعزم صادق.
القاهرة في 11 ديسمبر سنة 1925
هوامش
الفصل الأول
نامعلوم صفحہ