نابوليون بونابارت في مصر
نابوليون بونابارت في مصر
اصناف
وحاول مراد بك القيام بهجمات جديدة ليفتح طريق المواصلات بينه وبين ما تبقى من جيشه ليسهل لهذا الأخير انسحابه، فلم ينجح في هجماته، ودخل الليل لظلمته، فلجأ إلى الجيزة وذهب إلى قصره ليأخذ منه ما لم يستعد لأخذه من قبل.
وبلغت خسارة الفرنساويين في هذه الموقعة، على روايتهم، ثلاثمائة بين قتيل وجريح، أما خسارة المماليك فقد رووا أن لم يبق من مجموع قوة المماليك إلا ثلاثة آلاف ، انسحب بهم مراد بك إلى الجيزة، ونحو ألف بقيت مع إبراهيم بك في القاهرة، وقتل وغرق في النيل نحو سبعة آلاف من كبار المماليك وأتباعهم، وقتل نحو ثلاثة آلاف أخرى من العربان والفلاحين وأمثالهم.
ثم ماذا جرى على السفن الفرنساوية والسفن المصرية؟ أما السفن الفرنساوية فإنها لقلة الماء في النيل، لم تقدر على السير في محاذاة الجيش، وليس من البعيد أنها تأخرت خوفا من السفن المصرية، وقد لاقت من قتالها الأمرين قرب شبراخيت، فكيف وهي الآن أكثر عددا وعدة؟
كان «بوريين» سكرتير نابوليون ممن سار مع العمارة الفرنسية من الرحمانية إلى القاهرة كما سبق لنا القول، وهو يروي لنا، في مذكراته، «أن تلك العمارة، يوم واقعة إمبابة، كانت راسية على مسافة عشرة فراسخ من القاهرة، «قريبا من نقطة القناطر الخيرية»، وأن ريح الشمال كانت تهب شديدة، فكانت أصوات المدافع لا تصل إلى من هم في السفن، ولكن لما أقبل المساء، وهدأت الريح، سمعت طلقات المدافع، وأبصرنا جثث القتلى والغرقى من المماليك يسير بها تيار النيل إلى رشيد ودمياط، فعرفنا أن الدائرة دارت عليهم.»
وأما السفن المصرية فإنها لم تستطع القيام بعمل، وخاف مراد بك وقوعها في أيدي الغزاة فأمر بإحراقها، وسنأتي على ذكر هذا الإحراق، وما أحدثه من الجزع في القاهرة، في الفصل الآتي.
والآن نقف عند هذا البيان الذي حاولنا فيه بقدر الإمكان، وصف معركة إمبابة التي دامت من الصباح إلى المساء، وإن تكن ساعات القتال الحقيقية قليلة ومتقطعة، ولكنا قبل أن ننتقل إلى وصف حال القاهرة في ذلك اليوم العصيب، وما جرى عليها في الليلة التالية نصف حال الجيش الفرنسي بعد انتصاره، قال كاتبهم: «وصل نابوليون وأركان حربه إلى الجيزة عند الساعة التاسعة مساء فاحتلوا قصر مراد بك الذي لم يبق فيه إنسان.» ثم وصفوا ما في ذلك البيت من فراش وفير، ودمقس وحرير، وأقمشة من فاخر صناعة كشمير، ونمارق مزركشة من صنع أمهر الصانعين، وما في بستانه من أشجار وأثمار نادرة المثال، وغنمت الفرقة التي عسكرت في إمبابة كميات كثيرة من المؤن والمآكل اللذيذة والحلوى الفاخرة، وجميع أدوات وفراش البكوات والكشاف، من أبسطة فاخرة، وفضيات وصيني، فدب الفرح والسرور في قلوب الجنود، خصوصا بعدما وجدوا في ملابس البكوات والمماليك القتلى أموالا طائلة، فقد رووا أنهم كانوا يجدون في ملابس الواحد منهم بين مائتين ومائتين وخمسين قطعة من الذهب، وهذا غير ملابسهم الموشاة بالذهب والفضة، وسلاحهم المفضض والمذهب، فكان ذلك حاملا للجنود الفرنساوية على انتشال جثث الغرقى من النيل طلبا للغنيمة، وأكل الجنود وشربوا وطربوا، وأقيم في وسط المعسكر سوق للبيع والشراء، في السروج والخيول والملابس والسلاح! كل ذلك بين جثث الموتى وأنين الجرحى! والخلاصة أن الجنود الفرنسية سكرت بخمرة الظفر، ورقصت على نغمة الغنائم!
وكانت النيران قد شبت في السفن المصرية وما جاورها من القوارب الصغيرة فعلا دخانها وتأججت نارها، فكانت القاهرة تلوح بمآذنها، وقباب مساجدها، ودورها وقصورها، وراء ذلك الدخان واللهيب، في حين كانت الجنود الفرنسية في البر المقابل طروبة لاهية، كأنما تبصر وراء الأفق زينة بحرية، أو ألعاب نارية!!
هكذا كان حال الفاتحين الغزاة في البر الغربي من النيل، فانظر إلى حال المساكين أهل مصر في الضفة المقابلة!
الفصل الثامن
القاهرة يوم الواقعة
نامعلوم صفحہ