نابوليون بونابارت في مصر
نابوليون بونابارت في مصر
اصناف
ولقد كان من الأمور الطبيعية أن طفلا يخطف من بين أحضان أمه وأبيه، ويباع بيع الرقيق، فيصير مملوكا، لسيد من الأسياد، ثم ينهض به الجد الباهر، من فتى حقير، إلى زعيم ثم أمير، وأخيرا يصل إلى السيادة على مصر كأنه يوسف الصديق، وكان من الأمور الطبيعية أيضا أن يفكر هذا الولد في أهله وأمه وأبيه، ويفكر كيف يبعث إليهم فيحضرهم ويبرهم، كما حدث ليوسف الصديق، حين دخل عليه أخوته وهم له منكرون.
وأما رواية «سافاري» التي رواها عن مراد بك وأبيه، فهي كما جاء في الخطاب الثالث والعشرين سنة 1779 كما يأتي:
واختم هذا الخطاب يا مولاى بالرواية الآتية التي تريك أن حوادث يعقوب وولده يوسف «عليهما السلام» تتجدد في هذه الديار، ففي العام الماضي حصل قحط عظيم أتى على الحرث والنسل في الديار الشامية، وكان ثمت رجل طاعن في السن يقيم في ضواحي دمشق، وضاقت الحال بهذا الرجل وعز عليه إطعام أولاده الصغار، وبينما هو يبيع في أسواق تلك البلدة شيئا من بقايا متاعه ليبتاع بثمنه غذاء لأولاده، سمع القوم، في القافلة القادمة بالأرز من دمياط، يتحدثون عن مراد بك وقهره لأعدائه، ودخوله القاهرة ظافرا، ثم سمع منهم وصفهم لذلك الأمير ولأخلاقه، وخلقه، وطول قامته، ولون عينيه، وخيل لذلك الرجل الهرم أنه يرى في تلك الأوصاف ملامح ولده الذي اختطف منه وهو في سن الثانية عشرة من عمره، فصمم في الحال على السفر إلى مصر، وفعلا سافر ووصل إليها، وقابل ولده المفقود، وتعرف به، ولا تسل عما دار بين الولد وأبيه من ذكرى الماضي والحاضر، فحن إليه مراد وأجلسه إلى جانبه، وطلب إليه أن يبعث في طلب أخوته في الحال، ودعا أباه إلى اعتناق الدين الإسلامي، فاعتذر الشيخ، ثم بعد مدة رغب في العودة إلى بلده فأمده مراد بمبلغ طائل من المال، وأرسله محفوفا بالإكرام والإجلال، إلى دمشق. ا.ه.
هذه رواية سافاري، وغريب أنها فاتت الجبرتي وهو معاصر لمراد بك!! وقد تكون من نوع الإشاعات والروايات التي أشرنا إليها.
وسواء أصحت هذه الرواية أم لم تصح، فمن المؤكد أن هذا الحادث حصل مع علي بك الكبير في سنة 1766.
ولما كان علي بك المشار إليه، رجلا استقل بملك مصر، وصار ملكا عليها وعلى الحجاز، وعلى جزء كبير من البلاد السورية، فإن رواية كالتي سنذكرها عنه، جديرة بأن تدون في صحائف التاريخ، خصوصا وأنه لا أثر لها مطلقا في أي مصدر من المصادر العربية، فقد روى «ستافرو لاسنيان» الرومي مؤلف كتاب «ثورة علي بك» - ذلك الكتاب الذي سبقت الإشارة إليه سابقا - الرواية الآتية بحروفها، قال:
18
وفي سنة 1766 بعث علي بك بأحد أمرائه الملقب طنطاوي بك - وهو أحد محاسيبه الذي تقدم ذكرهم، وأحد الذين رقاهم إلى رتبة البكوية - إلى الآستانة مع «الخزنة»؛ أي: الجزية التي كانت تدفعها مصر للباب العالي سنويا، وأمره أن يرسل حين وصوله إلى الآستانة، رجلا موثوقا به إلى أماسيا «في الأناضول» ليبحث عما إذا كان أباه وأمه لا يزالون في قيد الحياة، حتى إذا وجدهما كذلك يدعوهما إلى السفر إلى الآستانة ليحضرا إلى مصر مع طنطاوي بك عند عودته، وقد قام طنطاوي بك بتنفيذ إرادة مولاه فأوفد خازنداره إلى بلدة أماسيا، فوجد المدعو داود، والد علي بك حيا
19
فأفضى إليه الرسول بمهمته، فسر الشيخ الهرم سرورا عظيما لعثوره على ولده المفقود، وسرعان ما سوى مهامه وشئونه المنزلية وسافر مع الخازندار، ومعه أصغر بناته وحفيد له، تاركا أكبر بناته في المنزل مع زوجها.
نامعلوم صفحہ