Names and Attributes Series
سلسلة الأسماء والصفات
اصناف
معنى التمثيل
[أو تمثيل]: كذلك لا تمثل هذه الصفات، فلا يحل تمثيلها بشيء من خلقه، ومحل التمثيل فيها ما كان من نطقها، أما ما كان بالإشارة فلا يسمى تمثيلًا، كمن فسر قول الله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة﴾ [الزمر:٦٧] فقبض أصابعه مثلًا، أو قال: (القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن) فمد إصبعيه، أو أشار بيده إلى السماء في إثبات صفة العلو فهذا لا يسمى تشبيهًا ولا تمثيلًا، وقد ورد منه في بعض النصوص ما يقتضي ذلك، كذلك وضع اليد على الأنف في حديث: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) ونحو ذلك، فهذا لا يسمى تمثيلًا، والإشارة إلى ذلك يقصد بها تفهيم الناس معنى الصفة، ولا يقصد بها تشبيه ذلك بالمخلوق، فالتمثيل معناه: ذكر المثال أو المِثل، فالمثال منفي عن الله قطعًا لأنه لا مثل له، والمثل منه ما هو منفي، ومنه ما هو مثبت، فهو ينقسم إلى قسمين: الأول: مثل للتشبيه وهو منفي عنه قطعًا، والثاني: مثَل للتفهيم فقط وهو المذكور في قول الله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا﴾ [إبراهيم:٢٤] في كثير من الآيات كقوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾ [الزمر:٢٩]، ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ [النحل:٧٥]، ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ [النحل:٧٦]، ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾ [النحل:٦٠] فهذا المثل المثبت، أما المثل المنفي فهو الوارد في قوله: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٧٤] فمثل التشبيه هو المنفي، ومثل التفهيم مثبت.
وكذلك القول في القياس، فقياس التمثيل ممنوع، وقياس الأولى جائز، وقياس الأولى كأن تضرب مثلًا وتقصد به أنه إذا انتفى هذا المثل عن المخلوق فالله تعالى أولى، وهذا كثير في القرآن، مثل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [الزخرف:١٧] أي: فإذا كان المخلوق لا يرضى هذا ولا يحبه لنفسه؛ فكيف يضربه لبارئه وفاطره؟! وهذا المثل: مثل الأولى أو قياس الأولى، مثل ما تقول: أنت تؤمن بأن لك نفسًا وأن لك روحًا قطعًا، وبأنها تعرج وتنزل، وبأنها تسمع وتبصر، ولكنك لا تعرف كيفيات ذلك، فإذا كنت تؤمن بروحك التي هي أقرب شيء إليك، وتؤمن بأن لها هذه الصفات، ولا تعرف كيفية اتصافها بذلك، فالله ﷿ أولى بأن تؤمن به وأنت لا تعرف كيفية اتصافه بالصفات، فهذا من باب قياس الأولى فقط، فأنت أثبت لله ذاتًا، وأثبت له سمعًا، وبصرًا، وكلامًا، وأثبت لنفسك نفسًا روحًا، وأثبت لها سمعًا، وبصرًا، وكلامًا هو حديث النفس، لكن لا تعرف كيف تتصف النفس بذلك، وهل للنفس فم أو عين أو أذن؟ لا تعرف شيئًا عن ذلك، وكذلك الروح لا تعرف شيئًا عنها نهائيًا، وهي أقرب شيء إليك، فإذا فهمت ذلك فمن باب أولى الكلام في صفات الله ﷿، وهذا هو قياس الأولى.
ومثله القياس الثاني الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في التدمرية فقال: (إن بعض المخلوقات يشترك مع بعض المخلوقات في الاسم والصفات، لكن ذلك لا يقتضي شبهًا بينهما، فالإنسان له وجه والفيل له وجه، لكن هل وجه الإنسان كوجه الفيل؟! لا، فإذا كان بعض المخلوقات لا يشبه بعضًا مع اشتراكهما في الاسم والصفة، فمن باب أولى الباري ﷾ في مخالفته لكل المخلوقات، ومثل هذا قول ابن عباس: ما في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، فالله أثبت أن في الجنة ماءً، وأن فيها خمرًا، وأن فيها عسلًا، وأن فيها لبنًا، وأن فيها فرشًا وثمارًا، وطعامًا، وأزواجًا، ولكن هل هي مثل ما في الدنيا؟ ليست مثلها تمامًا، بل لا تشترك معها إلا في الأسماء، فما في الجنة قطعًا مخلوقات، وما في الدنيا مخلوقات، وقد اشتركت في الاسم، ومع ذلك لا تشبهها، فمن باب أولى الخالق ﷿، فإنه يمكن أن يكون بعض صفاته يشترك في الاسم مع صفات المخلوق، لكن شتان بينهما.
3 / 5