انظري إلى المؤمن بالله حينما تتوالى عليه ضربات الزمان كيف يستغني عن المحسوس بتلك القوة الكامنة كحبة الخردل في قلبه؛ لتعطيه الحرارة في بارد الدهر، وتنمو بالأمل القوي على تربة اليأس وقطع الرجاء، رددي إبصارك على الملحد الذي تملأ قلبه الآمال بما يرى، تأملي بحاله وهو ساقط تحت خسارة جزئية، وانظري إلى قنوطه وهو أمر الدمع المتساقطة من جفنيه! تأملي قليلا بهذين الحالين تجدي حلا لما يتعجب منه الناس فيك.
الحب إذا الزواج كالإيمان أمام الدهر، وكما أن الملحد لا يشعر بنقص في وجدانه ما دامت السعة تحتاطه والراحة تجول حوله، هكذا أنت أيتها المرأة لا تشعرين بغياب الحب إلهك الثاني إلا حينما تسقط كبرياؤك مع مجالي الأبهة التي تعشقينها؛ لأنها وجدت قلبك خاليا من ملاك الحب فسطت عليه.
أيام السعة والبذخ تحبين زوجك أو بالحري تتناسين برودة قلبك نحوه، ويوم الشدة والضيق تطلبين الاستناد إلى ما يفوق الطبيعة، تريدين الالتجا إلى إله الزواج وتفتشين عليه فلا تجدينه، حينئذ عند إقدام الكبرياء الجريحة والأباطيل الممزقة لدى الأقراط المباعة والأساور المفقودة، تضعين يدك على قلبك فتشعرين بأنه ميت كالجنين المنتن في أحشاء أمه! علاقتك بالرجل مادية محضة يا امرأة سوريا، وليست علاقته بك بأشرف من هذه ... أنت تدفنين القلب في رموس الأمجاد الباطلة، أما هو فيجتهد أن يقيم قلبه من الموت بقوة الجمال، ويبعث نفسه الراقدة على مضجع السكون بقوة الزخرفة وطلاء الشخص المحبوب، أنت لا تبغضينه؛ لأنه يخدم فيك ضعف الأنثى ودلالها، وهو يحبك؛ لأنك آلة لهوه وملجأ جسده المتعب من جهاد الحياة.
أهذا الذي جمعه الله كيلا يفرقه إنسان؟ أهذا هو الاتحاد الذي يجب أن يسمو على المادة ويهزأ بالمسكنة والألم والشقاء؟
لله ما أشد ضغط المادة على الروح، وما أثقل الإنسان على نسمة الأزل التي تحييه!
لا أعلم من أنت يا من تقرئين هذه السطور، لا أعلم ما هي طبقة نفسك ولا ماهية معارفك من العلوم البشرية، لا أعلم إذا كان كلامي يدفع روحك إلى الانحناء على ذاتها والتأمل والاعتبار، ولربما أنت الآن تهزين رأسك بقوة الشك قائلة: «إنني أحب زوجي؛ لأن أساس زواجنا الحب، وما هذه العبارات إلا تخيلات شاعر يرى كل شيء قتاما.»
إذا كان هذا حكمك على ما تقرئين أيتها السيدة؛ فذلك لأنك قد تزوجت شواذا عن القاعدة السورية؛ ذلك لأنك بموقف نادر لا يقاس عليه، أنت صحيح واحد بين ألف مسقوم، وطبيب الأدب يتبع أثر سيده الذي جاء من أجل الأعلاء والمسقومين، اتركي هذه المقالة لسواك، وإن كنت كبيرة النفس في سعادة حبك فاقرأي هذه الكلمات لتردديها على مسامع من حولك ممن يبكين وأنت تتبسمين.
أنت أيتها القارئة التي أكتب لأجلها هذه السطور، يخال لي أن على أجفانك دموعا ماطرة بعد هيجان الزوبعة في قلبك، لقد انحنى رأسك على نهدك المرتفع كالأمواج تحت العاصفة، وسار الدم السوري القوي بشدة في عروقك، وها إن روحك الجريحة تتململ في قيودها وتريد أن تتمرد ...
وقفة أيتها الروح المتمردة: إنني أبضع الجرح لأخرج منه الدماء الفاسدة، لا لأدخل إليه السم ... الزواج هو رأس شرائع البشرية، فلا يمكن قطعه حتى ولو امتلأ صديدا وتقيحت أهم أقسامه، لا يجب أن يقطع الرأس بل يجب أن يدواى، إذا فسدت يد أو رجل من جسم الإنسان فقطعها ينتج الشفاء أما قطع الرأس فوراءه الموت، في البلاد الراقية أو المهمة القفر حيث يسود الألفة نظام مادي مقرر، إذا فسد زواج من بين ألف وقطع، ففي الأمر نظر يحتمل البحث، وللفيلسوف الراقي جبران أفندي خليل جبران حق برفع صوته إذ ذاك، أما هنا في الألفة السورية حيث لا يغرد قلب واحد حتى نسمع الأنين مرتفعا من ألف قلب، حيث لا يوجد زواج واحد بني على الحب حتى ينطح بصرنا ألف زواج دعامته اللؤم والمال والتعصب والجهل، هنا ذلك الرأس الذي يشمل طيه كل الرءوس قد امتلأ صديدا وضربته القروح فما يجب أن نفعل؟
أننادي بما نادى المفتكر الرائع جبران، ونقطع كل الرءوس لتسقط ألفتنا بأسرها على حضيض الفحشاء فيأكلها دود الفساد حيث لا يرجى لها بعث ولا حياة؟
نامعلوم صفحہ