يوم الاثنين الماضي وضعت في غرفة مظلمة طول النهار، ومع ذلك كنت مسرورا؛ ذلك لأن وصيفتي كانت تتكلم مع رفيقة لها مسنة وقد دار الحديث على أناس يسمونهم بأهل الفساد ولم أعرف من هم؟
فقالت العجوز وهي تنظر إلي: أتأسف على ولد كهذا تكون أمه فاسدة القلب وشقية الحياة.
وما سمعت هذا الكلام حتى أصبح كل شيء أمامي نارا ودما، فهببت كالأسد المجروح ألطم العجوز بكل قواي، وأرفسها برجلي، فكان جزائي السجن في غرفة مظلمة لأنني دافعت عن أمي.
نعم إنني بقيت بياض النهار في ظلام سجني وقلبي يختلج فرحا، إذ تعذبت لأثأر لتلك الأم الغائبة التي تركت ولدها فأدفع عنها تهمة الذين يهينونها.
لقد مرت الأيام الطوال وأمي لم ترجع، ويلاه لقد أصبحت بلا أم، لقد اختلسها الناس مني وأبعدوها عن حب ابنها الصغير، نعم لقد سرقها الغرباء دون إرادتها؛ إذ من المحال أن تقبل بترك ولدها الذي كانت تمر يدها على شعره وتقول له: يا صغيري العزيز.
لقد اختلسوها لأنها جميلة.
ويلاه يارب اسمع طلبتي وأعدها إلي ولو مشوهة الوجه قبيحة المنظر، فإنني أجدها دائما جميلة.
ارجعها إلي يا إلهي؛ فما من شيء أصعب على الابن من أن يدعى يتيما ويبكي أما أحبها بكل قواه وهي لم تزل تتخطر في مروج الحياة.
انتهى
أيتها القارئة المنحنية على هذه السطور، غادة كنت أو عقيلة أو أما، إذا كانت مدامعك لم تزل جافة فذلك لأن عاطفة البشرية قد استحجرت في قلبك الجامد، إذا سمع رجل نداء طفل يتعذب ولم يبك، فذلك الرجل لا يزيد نقصه عن القساوة، أما المرأة فإنها مطالبة بالحنان على أغراس الإنسانية التي يعروها الذبول، فإن لم تحييها من حرارة القلب وتسقيها من مورد الدمع، فتلك امرأة شاذة عن مبدأ طبيعتها، تلك أم بربرية متوحشة! وأنا لا أكتب لمثل هذه الصخور الجوامد، أنا أكتب للجنس اللطيف السامي الذي ينزل الله على صفحات قلبه كل ما في الدين من آيات العظمة، وفي الأدب من مبادئ الكرامة والمجد.
نامعلوم صفحہ