فصل في الأوليات
الأوليات هي قضايا ومقدمات تحدث في الانسان من جهة قوته العقلية من غير سبب يوجب التصديق بها إلا ذواتها. والمعنى الجاعل لها قضية وهو القوة المفكرة الجامعة بين البسايط على سبيل إيجاب أو سلب فإذا حدثت البسائط من المعاني بمعونة الحس والخيال أو بوجه آخر في الانسان ثم الفتها المفكرة الجامعة وجب أن يصدق بها الذهن ابتداء بلا علة أخرى ومن غير أن يشعر أن هذا مما استفيد في الحال بل يظن الانسان أنه دائما كان عالما به ومن غير أن تكون الفطرة الوهمية تستدعي إليها على ما بيناه ومثال ذلك أن الكل أعظم من الجزء وهذا غير مستفاد من حس ولا استقراء ولا شيء آخر نعم قد يمكن أن يفيده الحس تصورا للكل وللأعظم وللجزء وأما التصديق بهذه القضية فهو من جبلته وما كان من الوهميات صادقا على ما أوضحنا فهو في هذه الجملة واعلم أن الحس إنما يدرك الجزئيات الشخصية والذكر والخيال ما يحفظان ما يؤديه الحس على شخصيته أما الخيال فيحفظ الصورة. وأما الذكر فيحفظ المعنى المأخوذ منه وإذا تنكر الحس كان ذكرا وإذا تكرر الذكر كان تجربة وقد قيل في الحسيات والتجربيات ما فيه كفاية في مثل هذا الكتاب والفكر العقلي ينال الكليات متجردة والحس والخيال والذكر تنال الجزئيات فإن الحس لا ينال الانسان المقول على كثيرين - وكذلك الخيال فإنك أي صورة أحضرتها في التخيل أو في الحس الجسماني لم يمكنك أن تشرك فيها سائر الصور الجزئية الشخصية لأن ما يرتسم في الحس أو الخيال يكون مع عوارض من الكم والكيف والأين والوضع غير ضرورية في الانسانية ولا مساوية لها فالكليات والتصديقات والتصورات الواقعة فيها غير ضرورية في الانسانية ولا مساوية لها فالكليات والتصديقات والتصورات الواقعة فيها غير مدركة بالحس ولا بالتخيل ولا أيضا عللها حدس أو تجربة لكنهما معاونان للعقل أما من جهة التصور فلأن الحس يعرض على الخيال أمورا مختلطة والخيال يعرضها على العقل ثم العقل يفعل فيها التمييز والتجزئة ويأخذ كل واحد من المعاني مفردا ويرتب الأخص والأعم والذاتي والعرضي فترتسم حينئذ في العقل المعاني الأولى للمتصورات ثم يركب منها الحدود - فإما من جهة التصديق فقد يعينه الحس فقد يعينه الحس والخيال من طريق التجربة أو الحدس وقد يعينه بالاستقراء والفرق بين الاستقراء والتجربة معلوم واستعانته به من طريق الاستقراء إما على سبيل الاحتجاج وإما على سبيل التنبيه كمن يستقري جزئيات أمور أحكامها بينه الصدق إلا أن
صفحہ 56