فصل في بيان أن الشيء كيف يعلم ويجهل معا
الانسان الواحد قد يعلم الشيء بعلم لا يخصه بل يعمه وغيره ويجهله فيما يخصه فلا يعلمه البتة أو يعتقد في خاصته رأيا أو ظنا باطلا وهو لا يشعر مثل أن يكون الانسان يعلم أن كل اثنين هو عدد زوج ولا يعلم أن الاثنين اللذين في يد زيد هو زوج أو ليس بزوج وربما ظنه فردا لأنه لا يعلمه اثنين أو عند ما يعلمه اثنين ليس يخطر بباله أن كل اثنين زوج وهذا الجهل لا تناقض فيه مع ذلك العلم لأنه إنما علم أن كل شيء يكون اثنين فهو علم زوج " ولم يعلم أن كل اثنين بالفعل وأنه زوج " ومهما علم أن هذا الشيء اثنان علم حينئذ أنه زوج بعلمه الاول الكلي فيكون هذا علما كليا فلا يناقضه الجهل الجزئي وقد يمكن أن يعلم الشيء بالقوة ويجهله بالفعل بأن يكون إنما يعلم المقدمة الكبرى الكلية أو يعلمها مع الصغرى أيضا ولا يعلم النتيجة وذلك لأن العلم بهما شيء غير العلم بالنتيجة ولكنه علة للعلم بالنتيجة وليس علة كيف اتفق بل إذا اقترنا بالفعل عند الذهن وأما إذا كانا معلومين على الافتراق ولم يقترنا بعد أو لم يخطر بالبال معا موجهين نحو النتيجة فليسا علة بالفعل ولا يلزم معلولهما وهو العلم بالنتيجة بالفعل مثل أن يكون إنسانا يعلم أن كل بغلة عاقر علما على حدة ويعلم أيضا أن هذا الحيوان بغلة ويراه منتفخ البطن فيظن أنه حامل ولو اقترن عنه العلمان معا لما كان يظن هذا الظن وقد يمكن أن يتناقض الفكر والوهم فإن الوهم تبع للحس فكل شيء خالف المحسوس فإن الوهم إما أن يمنع وجوده وإما أن يجعل وجوده على نحو وجود المحسوسات فلهذا ما كنا نعقل أن الكل متناه لا إلى ملاء ولا إلى خلاء ولكننا لا نتصور في أنفسنا أبدا إلا ملاء أو خلاء بعد ملاء بلا نهاية ونعقل أن للكل مبدأ غير مشار إليه ولا له مكان ولا هو في جهة لكن الوهم يوجب وجوده على أحد هذه الأحوال ولا يكاد يمكنه التخلص منها. الاستقراء هو حكم على كلي لوجود ذلك الحكم في جزئيات ذلك الكلي إما كلها وهو الاستقراء التام وإما أكثرها وهو الاستقراء المشهور فكأنه يحكم بالأكبر على الواسطة لوجود الأكبر في الأصغر ومثاله أن كل حيوان طويل العمر فهو قليل المرارة لأن كل حيوان طويل العمر فهو مثل إنسان أو فرس أو ثور والانسان والفرس والثور قليل المرارة ومن عادتهم أن لا يذكروه على هذا النظم بل يقتصرون على ما هو كالصغرى أو ما هو كالكبرى.
صفحہ 49