208

وجوب حادث آخر غير العلة فكان ذلك الحادث هو العلة القريبة فإن تمادى الأمر على هذه الجهة وجبت علل وحوادث دفعة غير متناهية ووجبت معا وهذا مما عرفنا الأصل القاضي بإبطاله فبقي أن لا تكون العلل الحادثة كلها دفعة لا لقرب من علة أولى أو بعدها فبقي أن مبادئ الكون تنتهي إلى قرب علل أو بعدها وذلك بالحركة فإذا قد كان قبل الحركة وتلك الحركة أوصلت العلل إلى هذه الحركة فهما كالمتماسين والأرجح الكلام إلى الرأس في الزمان الذي بينهما وذلك أنه إن لم يماسها حركة كانت الحوادث الغير متناهية منها في آن واحد إذ لا يجوز أن يكون في آنات متلاقية متماسة فاستحال ذلك بل يجب أن يكون واحد قد قرب في ذلك الآن بعد بعد أو بعد بعد قرب فيكون ذلك الآن نهاية الحركة الأولى يؤدي إلى حركة أخرى أو أمر آخر فإن أدت إلى حركة أخرى وأوجبت كانت الحركة التي هي كعلة قريبة لهذه الحركة مماسة لما والمعنى في هذه المماسة مفهوم على أنه لا يمكن أن يكون زمان بين حركتين ولا حركة فيه فإنه قد بان لنا في الطبيعيات أن الزمان تابع للحركة ولكن الاشتغال بهذا النحو من البيان يعرفنا إن كانت حركة قبل حركة ولا يعرفنا أن تلك الحركة كانت علة لحدوث هذه الحركة فقد ظهر ظهورا واضحا أن الحركة لا تحدث بعد ما لم تكن إلا بحادث وذلك الحادث لا يحدث إلا بحركة مماسة لهذه الحركة ولا نبالي أي حادث كان ذلك الحادث كان قصدا من الفاعل أو إرادة أو علما أو آلة أو طبعا أو حصول وقت أوفق للعمل دون وقت أو حصول تهيؤ واستعداد من القابل لم يكن أو وصول من المؤثر لم يكن فإنه كيف كان حدوثه متعلق بالحركة لا يمكن غير هذا ولنرجع إلى التفصيل ونقول إن كانت العلة القابلة والفاعلة موجودتي الذات ولا فعل ولا انفعال بينهما فيحتاج إلى وقوع نسبة بينهما توجب الفعل والانفعال - أما من جهة الفاعل فمثل إرادة موجبة للفعل أو طبيعة موجبة للفعل أو آلة أو زمان - وأما من جهة القابل فمثل استعداد لم يكن أو من جهتيهما جميعا مثل وصول أحدهما إلى الآخر وقد صح أن جميع هذا بحركة ما - وأما إن كان الفاعل موجودا ولم يكن قابل البتة فهذا محال - أما أولا فلأن القابل كما بينا لا يحدث إلا بحركة أو اتصال فيكون قبل الحركة حركة - وأما ثانيا فإنه لا يمكن أن يحدث ما لم يتقدمه وجود القابل وهو المادة فيكون قد كان القابل وإما أن وضع القابل موجود والفاعل ليس بموجود فالفاعل محدث ويلزم أن يكون حدوثه بعلة ذات حركة على وصفنا.

صفحہ 208