153

المختلفة لا محالة بأحوالها.

فصل في أن النفس لا تموت بموت البدن ولا تقبل الفساد

ونقول أنها لا تموت بموت البدن ولا تقبل الفساد أصلا أما أنها لا تموت بموت البدن فلأن كل شيء يفسد بفساد شيء آخر فهو متعلق به نوعا من التعلق وكل متعلق بشيء نوعا من التعلق فإما أن يكون تعلقه به تعلق المكافئ في الوجود وإما أن يكون تعلقه به تعلق المتأخر عنه في الوجود - وإما أن يكون تعلقه به تعلق المتقدم عليه في الوجود الذي هو قبله بالذات لا بالزمان - فإن كان تعلق النفس بالبدن تعلق المكافئ في الوجود وذلك أمر ذاتي له لا عارض فكل واحد منهما مضاف الذات إلى صاحبه فليس لا النفس ولا البدن بجوهر لكنهما جوهران - وإن كان ذلك الأمر عرضيا لا ذاتيا فإن فسد أحدهما بطل العارض الآخر من الاضافة ولم تفسد الذات بفساده وإن كان تعلقه به تعلق المتأخر عنه في الوجود فالبدن علة للنفس في الوجود حينئذ والعلل أربع فإما أن يكون البدن علة فاعلية للنفس معطية لها الوجود - وإما أن يكون علة قابلية لها بسبيل التركيب كالعناصر للأبدان أو بسبيل البساطة كالنحاس للصنم - وإما أن يكون علة صورية - وإما أن يكون علة كمالية ومحال أن يكون علة فاعلية فإن الجسم بما هو جسم لا يفعل شيئا وإنما يفعل بقواه ولو كان يفعل بذاته لا بقواه لكان كل جسم يفعل ذلك الفعل ثم القوى الجسمانية كلها إما أعراض وأما صور مادية ومحال أن تفيد الأعراض أو الصور القائمة بالمواد وجود ذات قائمة بنفسها لا في مادة ووجود جوهر مطلق ومحال أيضا أن يكون علة قابلية فقد بينا وبرهنا أن النفس ليست منطبعة في البدن بوجه من الوجوه فلا يكون إذا البدن متصورا بصورة النفس لا بحسب البساطة ولا على سبيل التركيب بأن يكون أجزاء من أجزاء البدن تتركب وتمتزج تركيبا ومزاجا ما فتنطبع فيها النفس - ومحال أن يكون علة صورية للنفس أو كمالية فإن الأولى أن يكون الأمر بالعكس فإذا ليس تعلق النفس بالبدن تعلق معلول بعلة ذاتية - نعم البدن والمزاج علة بالعرض للنفس فإنه إذا حدثت مادة بدن يصلح أن يكون آلة النفس ومملكة لها أحدثت العلل المفارقة النفس الجزئية - وحدث عنها ذلك لأن أحداثها بلا سبب مخصص أحداث واحدة دون واحدة محال ومع ذلك يمتنع وقوع الكثرة فيها بالعدد لما قد بيناه ولأنه لابد لكل كائن بعد ما لم يكن من أن تتقدمه مادة يكون فيها تهيؤ قبوله أو تهيؤ لنسبته إليه كما تبين في

صفحہ 153