فصل في إعانة القوى الحيوانية للنفس الناطقة
ثم نقول إن القوى الحيوانية تعين النفس الناطقة في أشياء منها أن الحس يورد عليها الجزئيات فيحدث لها من الجزئيات أمور أربعة " أحدها " إنتزاع النفس الكليات المفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد لمعانيها عن المادة وعن علائق المادة ولواحقها ومراعاة المشترك فيه والمتبين به والذاتي وجوده والعرضي وجوده فيحدث للنفس من ذلك مبادئ التصور وذلك بمعاونة إستعمالها للخيال والوهم " والثاني " إيقاع النفس مناسبات بين هذه الكليات المفردة على مثل سلب وإيجاب فما كان التأليف فيها بسلب أو إيجاب بينا بنفسه أخذته وما كان ليس كذلك تركته إلى مصادفة الواسطة " والثالث " تحصيل المقدمات التجريبية وهو أن يوجد بالحس محمولا لازم الحكم لموضوع لزوم الايجاب أو السلب أو منافيا له أو تاليا موجب الاتصال أو مسلوبه أو موجب العناد أو مسلوبه غير مناف له وليس ذلك في بعض الأحايين دون بعض ولا على المساواة بل دائما حتى تسكن النفس إلى أن يتبين أن من طبيعة هذا المحمول أن تكون فيه هذه النسبة إلى هذا الموضوع - والتالي أن يلزم هذا المقدم أو ينافيه لذاته لا بالاتفاق فيكون ذلك إعتقادا حاصلا من حس وقياس - أما الحس فلأجل مشاهدة ذلك - وأما القياس فلأنه لو كان إتفاقيا لما وجد دائما أو في أكثر الأمر وهذا كالحكم منا أن السقمونيا مسهل للصفراء بطبيعته لاحساسنا ذلك كثيرا وبقياسنا أنه لو كان لا عن الطبع بل عن الاتفاق لوجد في بعض الأحايين " والرابع " الأخبار التي يقع التصديق بها لشدة التواتر - فالنفس الانسانية تستعين بالبدن لتحصيل هذه المبادئ للتصور ثم إذا حصلتها رجعت إلى ذاتها فإن عرض لها شيء من القوى التي دونها بأن يشتغل به شغلتها عن فعلها أو أضرت بفعلها إذا لم تشغلها فلا تحتاج إليها بعد ذلك في خاص فعلها إلا في أمور تحتاج النفس فيها خاصة إلى أن تعاود القوى الخيالية مرة أخرى لاقتناص مبدأ غير الذي حصل أو معاونه بإحضار خيال - وهذا يقع في الابتداء كثيرا ولا يقع بعده إلا قليلا وأما إذا استكملت النفس وقويت فإنها تنفرد بأفاعيلها على الاطلاق وتكون القوى الحسية والخيالية وسائر القوى البدنية صارفة لها عن فعلها - ومثال هذا أن الانسان قد يحتاج إلى ذاته وآلات يتوصل بها إلى مقصد ما فإذا وصل إليه ثم إن عرض من الأسباب ما يحمله على مفارقته صار السبب الموصل بعينه عائقا - ثم إن البراهين التي أقمناها على أن محل المعقولات أعني النفس الناطقة ليس بجسم ولا هي قوة في جسم فقد كفتنا مؤونة الاستشهاد على صحة قيام
صفحہ 151