145

فصل في تفصيل الكلام على تجرد الجوهر الذي هو محل المعقولات

ثم نقول إن الجوهر الذي هو محل المعقولات ليس بجسم ولا قائم بجسم على أنه فوق فيه أو صورة له بوجه فإنه إن كان محل المعقولات جسما أو مقدارا من المقادير فإما أن يكون محل الصور فيه طرفا منه لا ينقسم أو يكون إنما يحل منه شيئا منقسما ولنمتحن أولا أنه هل يمكن أن يكون طرفا غير منقسم فأقول أن هذا محال وذلك أن النقطة هي نهاية ما لا تميز لها في الوضع عن الخط والمقدار الذي هو منته إليها حتى ينتقش فيها شيء من غير أن يكون ذلك النقش في جزء من ذلك الخط بل كما أن النقطة لا تنفرد بذاتها وإنما هي طرف ذاتي لما هو بالذات مقدار كذلك إنما يجوز أن يقال بوجه ما أنه يحل فيها شيء إذا كان ذلك الشيء حالا في المقدار الذي هي طرفه فيتقدر بها بالعرض فكما أنه يتقدر بها بالعرض كذلك يتناهى بالعرض مع النقطة ولو كانت النقطة منفردة تقبل شيئا من الأشياء لكان يتميز لها ذات فكانت النقطة حينئذ ذات جهتين جهة منها تلي الخط الذي تميزت عنه وجهه منها مخالفة لها مقابلة فتكون حينئذ منفصلة عن الخط وللخط نهاية غيرها يلاقيها فتكون تلك النقطة نهاية الخط لا هذه والكلام فيها وفي هذه النقطة واحد ويؤدي هذا إلى أن تكون النقط متشافعة في الخط إما متناهية وإما غير متناهية وهذا أمر قد بان لنا في مواضع أخرى استحالته فقد بان أن النقط لا تتركب بتشافعها وبان أيضا أن النقطة لا يتم لها وضع خاص ونشير إلى طرف منها فنقول إن النقطتين حينئذ اللتين يطيفان بنقطة واحدة من جنبتيها إما أن تكون النقطة المتوسطة تحجز بينهما فلا يتماسان فيلزم حينئذ في البديهة العقلية الأولية أن يكون كل واحد منهما يختص بشيء من الوسطى تماسه فتنقسم حينئذ الواسطة وهذا محال وإما أن تكون الوسطى لا تحجز المكتنفتين عن التماس فحينئذ تكون الصورة المعقولة حالة في جميع النقط وجميع النقط كنقطة واحدة وقد وضعنا هذه النقطة الواحدة منفصلة عن الخط فللخط من جهة ما ينفصل عنها طرف غيرها به ينفصل عنها فتلك النقطة تكون مباينة لهذه في الوضع وقد وضعت النقط كلها مشتركة في الوضع هذا خلف فقد بطل أن يكون محل المعقولات من الجسم شيئا غير منقسم فبقي أن يكون محلها من الجسم إلى كان محلها جسما شيئا منقسما فلنفرض صورة معقولة في شيء منقسم فإذا فرضناها في الشيء المنقسم انقساما ما عرض للصورة أن تنقسم - فحينئذ لا يخلو إما أن يكون الجزآن

صفحہ 145