فصل في الفرق بين إدراك الحس وإدراك التخيل وإدراك الوهم وإدراك العقل
ويشبه أن يكون كل إدراك إنما أخذ صورة المدرك فإن كان المادي فهو أخذ صورة مجردة عن المادة فقط تجريدا ما لأن أصناف التجريد مختلفة ومراتبها متفاوتة فإن الصورة المادية تعرض لها بسبب المادة أحوال وأمور ليست هي لها بذاتها من جهة ما هي تلك الصورة فتارة يكون النزع نزعا للعلائق كلها أو بعضها وتارة يكون النزع نزعا كاملا بأن تجرد عن المادة وعن اللواحق التي لها من جهة المادة مثاله أن الصورة الانسانية والماهية الانسانية طبيعة لا محال يشترك فيها أشخاص النوع كلهم بالسوية وهي بحدها شيء واحد وقد عرض لها أن وجدت في هذا الشخص وذلك الشخص فتكثرت وليس لها ذلك من جهة طبيعتها الانسانية ولو كانت طبيعة الانسانية يجب فيها التكثر لما كان يوجد إنسان محمولا على واحد بالعدد ولو كانت الانسانية يجب فيها التكثر لما كان يوجد إنسان محمولا على واحد بالعدد ولو كانت الانسانية موجودة لزيد لأجل أنها إنسانيتة لما كانت لعمرو فإذا إحدى العوارض التي تعرض للصورة الانسانية من جهة المادة هو التكثر والانقسام ويعرض لها أيضا غير هذه العوارض وهي أنها إذا كانت في مادة ما حصلت بقدر من الكم والكيف والأين والوضع - وجميع هذه أمور غريبة عن طباعها وذلك لأنه لو كان لأجل الانسانية كونها على هذا الحد أو حد آخر من الكم والكيف والأين والوضع لكان يجب أن يكون كل إنسان مشاركا للآخر في تلك المعاني ولو كان لأجل الانسانية كونها على حد آخر وجهة أخرى من الكم والكيف والأين والوضع لكان كل واحد من الناس يجب أن يشترك فيها فإذا الصورة الانسانية بذاتها غير مستوجبة أن يلحقها شيء من هذه اللواحق. فهذه اللواحق عارضة لها من جهة المادة ضرورة لأن المادة التي تقارنها تكون قد لحقتها هذه اللواحق فالحس يأخذ الصورة عن المادة مع هذه اللواحق ومع وقوع نسبة بينهما وبين المادة وإذا زالت تلك النسبة بطل ذلك الأخذ وذلك لأنه لا ينزع الصورة عن المادة مجردة من جميع لواحقها ولا يمكنه أن يستثبت تلك الصورة وإن غابت المادة فيكون كأنه لم ينزع الصورة عن المادة نزعا محكما بل يحتاج إلى وجود المادة أيضا في أن تكون تلك الصورة موجودة له. وأما الخيال فإنه يبرئ الصورة المنزوعة عن المادة تبرئة أشد وذلك بأخذها عن المادة بحيث لا يحتاج في وجودها فيه إلى وجود مادة لأن المادة وإن غابت أو بطلت فإن الصورة تكون ثابتة الوجود في الخيال إلا
صفحہ 140