أما الويسكي فيعرفه فكري وما هو بجديد عليه، وأما المخدر فقد جربه ولكنه لم يستجب له، وأما الفتيات اللواتي يشربن ويسمرن فهو أيضا يعرفهن، كانت الفتاتان قد أصبحتا ثلاثا فقد قدمت إلى البيت فتاة في عشرينيات عمرها، فتن بها فكري منذ لحظة قدومها، وقد أعجب فيها بمظهر بريء، كانت نبتا أخضر جديدا على مثل هذه الحياة، بيضاء الوجه سوداء العينين متوسطة القامة في طولها تميل إلى النحافة، كثيرة المرح ولكنه مرح ساذج لم يتمرس بعد، وأحست ألفت بإعجاب فكري فراحت تلقي شعرها عليه وهي ترقص، وتكثر من الوقوف أمامه، ويصخب الجميع مدركين اللقاء المتبادل الذي تم على مشهد منهم، وصاحت سعدية أقدمهم في العلم: ألكونتاك جديد عند الاثنين، هزي وسطك يا ألفت، سيارته جديدة بشوكها.
ولم يلحظ فكري علوان وهو يغمز لحمدي الذي تبعه إلى حجرة المكتب. - هذا الولد سينفعنا. - ألم أقل لك؟ - وسيارته الجديدة هذه مهمة جدا. - أعلم. - لا تظن أنني أختاركم وأنا لا أعرف ماذا أفعل، أمثالكم بعيدون عن كل شبهة. - أنا سأتركه بعض الوقت ولا تذكر أنت أو هشام له شيئا، أنا لي طريقتي الخاصة. - لا يمكن أن نعمل شيئا قبل أن تقول. - أنا أريده الليلة في الكباريه. - يذهب. - وأريد ألفت تذهب معه إلى شقة جاردن سيتي. - قل لها. - لا شأن لك بها ولكن هيئه أنت لهذا وخذ، اجعله يعطيها هذه المائة جنيه وأنا لي معها شأن، قل له إن الفلوس منك أنت. - أمرك.
وعادا إلى مكانيهما وبعد دقائق قال علوان: والآن إلى العمل.
وصاح فكري: عمل! أي عمل؟ - أتظن أن ألفت وسعدية وسميرة يكسبن عيشهن من انبساط سعادتك. - إذن! - هن ذاهبات إلى الكباريه ونحن سنذهب معهن، الساعة الآن فاتت العاشرة، هيا بنا.
وشهد فكري الكباريه ورأى رأي العين كيف تصبح الجنيهات من فئة المائة والعشرين والعشرة عقودا في نحور الراقصات، ورأى آلاف الجنيهات تلقى على الموائد وكأنها قروش.
وكان من المقرر أن ترقص ألفت أول الراقصات، وحين بدأت الرقص لم يلتف حول نحرها سوى عقدين: أحدهما من ذوي العشرة والآخر من ذوي العشرين، جديدة.
ومال حمدي على أذن فكري: البنت تموت فيك. - حلوة كالقمر. - ما رأيك نخرج معها الآن؟ - هل أنت جاد؟ - اتفقت معها فعلا. - ولكن أنا ... أنا ... - خذ هذه مائة جنيه أعطها لها. - يا نهارك أسود. - ماذا جرى لك؟ - من أين؟ - الأعمال الحرة تجعل المائة جنيه هذه عشرة قروش. - ومن أين أردها لك؟ - قسطها لا شأن لك. - وأين سنذهب؟ - أيضا لا شأن لك هي تعرف. - وإن طلبت أكثر، أنا ليس معي إلا عشرة جنيهات. - خذ عشرين لتكون مطمئنا. - أقوم؟ - اركب سيارتك وقف بها أمام الباب وستجدها بعد خمس دقائق بجانبك. •••
شقة جميلة نظيفة، كل شيء معد لتمضية سهرة وللإقامة أيضا، عرف فكري أنها من شقق علوان، وفهم أن حمدي هو الذي صنع له هذا المعروف. ••• - خذي. - ما هذا؟ - ألا تعرفين؟ - أعرف طبعا. - إذا لماذا تسألين؟ - لأني لن آخذ منك شيئا. - ماذا؟ - أليس من حقنا أن نعجب ببعض الناس ونحبهم؟ - من حقك طبعا. ولكن يبدو أنك تحتقرين المبلغ الذي أقدمه لك بعد أن أخذت العقدين من المعجبين في الصالة.
وانفجرت ألفت تضحك في قهقهة عالية بعيدة عن التظاهر، ثم ما لبثت أن أوقفت ضحكتها وقالت فجأة: أهذه أول مرة تذهب إلى كباريه؟ - لاحظي أنني قبل اليوم كنت تلميذا. - آه، معقول. اسمع أولا أنا لا أعرف المبلغ الذي تعرضه علي حتى أحتقره أو أحترمه، وثانيا كيف تصورت أن هذه العقود كلها لنا. - ماذا؟! - إننا لو أخذنا منها عشرها تكون نعمة، إنها تقسم على جميع العاملين في الصالة، وحين تكون الراقصة جديدة مثلي يكون نصيبها عدما أو قريبا من العدم. - إذن لماذا ترفضين؟ - أحببتك. - ثانية. - وأنت أيضا أحببتني. - الحقيقة أنا ... أنا معجب بك جدا. - وستحبني. - يتهيأ لي. لن أسألك ماذا رماك إلى هذا العمل. - يا حبيبي هذا السؤال كان يصلح أيام زمان، الآن لا أحد يسأل هذا السؤال، اللواتي لا يقمن بهذا العمل علانية يقمن به سرا في بيوتهن؛ ولهذا لم يصبح اسمه المقدر أو النصيب كما كان يسمى في أفلام الماضي، وإنما أصبح عملا محترما مثل كل الأعمال، ودخله أصبح أعظم من أي دخل، ويوم أريد الزواج ألف يتمنون تراب رجلي، منهم تسعمائة وتسعون يستفيدون من خبرتي ويجمعون المال من ورائي، والعشرة الباقون ليجعلوا مني أم عيالهم.
وفوجئ فكري بالإجابة، وصمت طويلا ثم قال: ألفت. - نعم. - أنا أحببتك. - إذن أدخل هذه الفلوس في جيبك. - ولكني أحب أن أقدم لك شيئا. - قدم لي هدايا عندما تريد. - قد تكلف أكثر. - هدية بعشر جنيهات منك تساوي عندي الكثير، إننا من سن واحدة ندخل الحياة من باب واحد، ويبدو أن الصلة بيننا ستطول. - ومن يدري ربما تدوم. - يا رب. - كل شيء بأمره.
نامعلوم صفحہ