وقال أنا رجل من أهل العراق قدمت بتجارة وأحببت أن أكون بجوارك وكنفك إلى أن أبيع ما جئت به، فبعث عبد الله إلى قهارمته، وقال أكرموا جارنا وأوسعوا له في المنزل، فلما اطمأن العراقي وعرفه نفسه هيأ له بغلة فارهة وثيابًا من ثياب العراق وبعث بها إليه وكتب رقعة يقول فيها يا سيدي إني رجل
تاجر ذو نعمة من الله سابغة وقد بعثت إليك بشيء من اللطائف وهو كذا ومن الثياب والعطر وهو كذا وبعثت إليك ببغلة فارهة وطيئة الظهر، وأنا أسألك بقرابتك من رسول الله ﷺ أن تقبل هديتي ولا توحشني بردها فإني محب لك ولأهل بيتك وإن أفضل ما في سفري هذا أن أستفيد الأنس بك وأتشرف بمواصلتك، فأمر عبد الله بقبض هديته وخرج إلى الصلاة، فلما رجع مر بالعراقي في منزله فقام إليه وقبل يديه وسلم عليه فلما نظر إلى فصاحته وبلاغته أحبه وسر بنزوله عليه، فجعل العراقي يبعث كل يوم بلطائف وطرف إلى عبد الله، فقال عبد الله: جزى الله ضيفنا هذا خيرًا فقد ملأنا شكرًا وأعيانا عن مجازاته، وإنهما لكذلك إذ دعاه عبد الله ودعا بعمارة، فلما تعشيا وطاب لهما المقام وسمع العراقي غناء عمارة تعجب وجعل يزيد في إعجابه إذ رأى ذلك يسر عبد الله إلى أن قال له أرأيت مثل عمارة؟ قال لا والله يا سيدي ما رأيت مثلها ولا تصلح إلا لك وما ظننت أنه يكون في الدنيا مثل هذه في حسنها ولطافتها. قال كم تساوي عندك؟ قال ما لها ثمن إلا الخلافة قال تقول هذا لما ترى من رائى فيها ولتجلب سروري قال والله يا سيدي إني لأحب سرورك وما قلت لك إلا الجد. وبعد فإني رجل تاجر أجمع الدرهم إلى الدرهم طلبًا للربح ولو أعطيتها لي بعشرة آلاف دينار لأخذتها، قال عبد الله بعشرة آلاف دينار؟ قال نعم ولم تكن في ذلك الزمان جارية بعشرة آلاف دينار فقال عبد الله كالمازح إني أبيعكها بعشرة آلاف دينار؟ قال قد أخذتها، قال هي لك، قال قد وجب البيع وانصرف العراقي، فلما أصبح عبد الله لم يشعر إلا والمال قد وافاه، فقال عبد الله بعث العراقي بالمال؟ قالوا نعم بعشرة آلاف دينار. قال هذا ثمن عمارة فردها إليه، وقال إنما كنت مازحًا وأعلمك أن مثلي لا يبيع مثلها، قال جعلت فداك إن الجد والهزل في البيع سواء. قال له عبد الله ويحك لا أعلم موضع جارية تساوي ما بذلت ولو كنت بائعها من أحد لآثرتك عليه ولكني كنت أمازحك وما أبيعها بملك الدنيا لحرمتها وموقعها مني، فقال
1 / 36