نفحہ زکیہ
النفحة الزكية في تاريخ مصر وأخبار الدولة الإسلامية
اصناف
لما ظهر الملك منا من مدينة طينة التي هي بلدة كانت بالقرب من العرابة المدفونة بجوار جرجا، وتغلب على الكهنة ونزع الحكم من أيديهم، تولى هو ملك مصر، ولما رأى ميل أهالي طينة إلى القسس تركها وأسس مدينة منف المعروفة الآن بالبدرشين وميت رهينة، وجعلها تخت ملكه، وحول إليها مجرى النيل، فجعله يجري بقربها من الجهة الشرقية في وسط وادي النيل، بعد أن أبطل مجراه الأصلي الذي كان بقرب سلسلة جبال ليبيا، والجسر الذي أعده لهذا الغرض موجود للآن، ويعرف بجسر قشيشة، فأصلح بذلك الأراضي التي في شرقها وجعلها تصلح للزراعة، وشيد فيها هيكلا لمعبودها بتاح، ثم سن القوانين، ونظم السياسة، ورتب الديانة، وغزا سكان ليبيا الذين شنوا غارة الحرب عليه فقهرهم، وأدخلهم تحت طاعته، ثم مات بعد أن حكم اثنتين وستين سنة.
ومن بعده تلقب ملوك مصر بملوك الوجه القبلي والبحري. غير أن مصر بقيت على التجزئة التي كانت عليها قبل ظهوره مدة الثلاث عائلات الأول التي لم يعلم من تاريخها شيء تقريبا حتى ظهرت العائلة الرابعة، فانضمت إلى بعضها وصارت مملكة واحدة.
المطلب الثاني
في زمن تشييد أهرام الجيزة، وهو العصر الأول من أعصار الفنون المصرية
قد كانت العائلة الرابعة أشهر عائلات الدولة القديمة؛ فإن في عهدها كان تشييد أهرام الجيزة؛ أكبر الأهرام الموجودة بمصر، وفي أيامها بلغت مصر درجة عظمى في التمدن، ونمت فيها الفنون والعلوم والثروة الأهلية بطريقة عجيبة، ومن عهدها صار يستدل من الآثار التي بالمقابر على تتابع الملوك والحوادث التاريخية، بل وعلى كيفية معيشة قدماء المصريين. وكان أشهر ملوكها الملك خوفو؛ فقد كان رجلا مقاتلا ومحبا لتشييد العمارات؛ فهو الذي شيد الهرم الأكبر من أهرام الجيزة، واستعمل في بنائه، مع المناوبة، في كل ثلاثة أشهر مائة ألف عامل، فاستمرت عمارته ثلاثين سنة؛ منها عشرة في توطيد أرضيته وبناء حجراته السفلى وبناء الجسر الموصل إليه من شاطئ النيل بالحجارة، وكان معدا لنقل الأحجار التي بني بها هذا الهرم، ومنها عشرون سنة في تشييد نفس الهرم، ويبلغ ارتفاعه الآن 137 مترا، ويتركب من 200 طبقة من الأحجار الجسيمة، وقد كان مغطى بطبقة من الأحجار المنحوتة أزيلت عنه من منذ قرون، ولو كان بقي على حالته الأولى لكان يبلغ ارتفاعه 150 مترا، وأما ضلع قاعدته فيبلغ 235 مترا، والأحجار التي استعملت في بنائه يبلغ حجمها 25000000 متر مكعب، وهو يشتمل على ثلاث حجرات وجملة طرقات موصلة إليها، ثم على بئر عميقة، وأعجب ما يستغرب منه في تشييد هذا الهرم المهارة التي توصل بها المصريون إلى بناء ما بداخله من الحجرات والطرقات التي مع توالي تلك السنين عليها لم يحصل لها أدنى خلل مع عظم الثقل الجسيم الذي فوقها.
أما الهرم الثاني الذي شيده الملك خفرع فيبلغ ارتفاعه 135 مترا، والهرم الثالث الذي شيده الملك منكورع، وأتمته الملكة نيتوقريس من العائلة السادسة لا يزيد ارتفاعه عن 66 مترا.
المطلب الثالث
في انتهاء الدولة القديمة
ثم حافظت مصر على رونقها مدة العائلة الخامسة والعائلة السادسة التي كانت من أشهر عائلات الدولة القديمة، أما زمن الأربع عائلات الأخيرة من هذه الدولة التي لم يعلم حقيقة ما حصل بمصر في عهدها، فكان زمن اضطراب وهيجان وحروب داخلية أوقفت مصر عن التقدم، وفقدت منف في أثنائها الرئاسة التي كانت لها على البلاد من عهد الملك منا، وتجزأت المملكة، فلما كانت أواخر أيام العائلة العاشرة انتصر أمراء طيبة على ملوك هذه العائلة، فأسسوا بطيبة العائلة الحادية عشرة التي هي مبدأ الطبقة الثانية.
الفصل الثاني
نامعلوم صفحہ