نفائس تاویل

Al-Sharif al-Murtada d. 436 AH
87

تعلقا بالمخبر عنه ، فلا يخلو المخبر عنه من أن يكون على ما تناوله الخبر ، فيكون صدقا ، أو ليس على ما تناوله الخبر ، فيكون كذبا. وإذا لم يكن بين النفي والإثبات واسطة في مخبر الخبر ، فلا واسطة في الخبر بين الصدق والكذب.

وقول الجاحظ : «إنه لا يكون كاذبا إلا من علم كونه كذلك» باطل ؛ لأن العقلاء يصفون كل مخبر علموا أن مخبر خبره ليس على ما تناوله خبره بأنه كاذب وإن لم يعلموا أنه عالم بذلك ، ولو كان العلم شرطا ، لوجبت مراعاته كما وجب مراعاة متناول الخبر. والمسلمون يصفون اليهود والنصارى بالكذب على الله ، وإن كان أكثرهم لا يعلم أنه كاذب ، بل يعتقد أنه صادق. ولو كان الأمر على ما ادعاه الجاحظ ؛ لوجب أن يكون قول أحدنا لغيره : «إنه كاذب ولا يعلم بأنه عالم بكذبه» مناقضة ، ومما لا يمكن أن يكون حقا ، ومعلوم خلاف ذلك. والجاحظ بنى هذا على مذهبه في المعارف ، وأنها ضرورة ، واعتقاده أن من لا يعرف فهو معذور ، وكونه كاذبا يقتضي الذم ، فلم يتصف به إلا مع العلم ، وقد بينا في الذخيرة (1) وغيرها بطلان هذا المذهب ، ودللنا على أن المتمكن من المعرفة يقوم مقامها في لحوق الذم واستحقاق العقاب.

والصدق من جنس الكذب ؛ لأن السامع لا يفصل بينهما بالإدراك ، ولو اختلفا في الجنس لفصل بالإدراك بينهما.

ولم يكن الخبر خبرا لجنسه ، ولا لصيغته ، ولا لوجوده ، بل لقصد المخبر إلى كونه خبرا ، وكل شيء دللنا به على أن الأمر لم يكن أمرا لشيء يرجع إلى أحوال الأمر مما قدمنا ذكره مبسوطا هو دلالة في الخبر ، فلا معنى لإعادته (2).

صفحہ 205