فدع عنك قول الزور والمين، (فقد بُيِّنَ الصبح لذي عينين).
فلما أفاض النهار، في حديث يفضح الأزهار، إبداع في كنايته وتلويحه، وأغرب في تعريضه وتصريحه، فابتدر إليه الليل، وأجاب عليه بالرجل والخيل، وامتطى جواده الأدهم، واعتم بعمامة سواده وتلثم، فأنسى بفتكاته عنترة بني شداد، حين أمسى يتوعد عمارة بالقتل والرمس، ثم نشر في الأفق ذوائبه السود، وعبس وبسر فأسر بسطوته الأسود وقال: (فلا أقسم بالشفق، والليل ومل وسق، والقمر إذا اتسق) لأسبين رومي النهار، ولأجعلنه عبرة لذوي الاعتبار، فلقد تزيّا المملوك بزي الملوك، وادعي مقام الوصول صاحب السير والسلوك، أما كفاه ازدرائي وتحقيري؟! حتى حكم بتضليلي وتكفيري! كم أسلبت على عوراته ذيل سترى، وهو لا يبالي بهتك أستاري، وكم أودعت مكنون سره في خزانة سري، وهو يبوح بمصون أسراري، أفٍ له من فاضح، أما يكفيه ما فيه من المفاضح؟!
أنمَّ بما استودعته من زجاجةٍ ... يرىُ الشيء فيها ظاهرًا وهو باطن
كيف احتج لتقدمه بحديث جابر، مع أن ما رواه لكسرى أعظم جابر، فإنه برهن على تقدمي عليه، لو أدرك سر ما أومأ إليه، وعلام جعل السواد إني حزت من
الكمال الحظ الأوفر، حتى تحلى ببديع وصفى العنبر
1 / 136