Nadhra Al-Na'eem fi Makarem Akhlaq Al-Rasool Al-Kareem
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم
ناشر
دار الوسيلة للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الرابعة
پبلشر کا مقام
جدة
اصناف
رابعا: حكمة الابتلاء بالطاعات:
أما الابتلاء بالطاعات فحكمته استجلاب مزيد من الشكر وعرفان فضل الله تعالى فيما أنعم به وتفضل، وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي ﷺ فيما يرويه عنه المغيرة بن شعبة «إن كان النبي ﷺ لا يقوم أو لا يصلي حتى ترم قدماه، فيقال له- في ذلك- فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا» «١» . وكفى بالشكر حافظا للنعم الموجودة وجالبا للنعم المفقودة، كما يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى «٢» . كما أن من حكمة هذا النوع من الابتلاء ألا يركن المرء إلى طاعته وألا يغتر بها فيكون كمن قال الله فيه وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ* وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ «٣» .
وتوضح قصة ابتلاء الخليل إبراهيم ﵇ حكمة ابتلاء الله ﷿ أنبياءه وأولياءه بالطاعة خير توضيح، ونشير إلى هذه القصة- بإيجاز- فيما يلي:-
قصة ابتلاء إبراهيم ﵇:
لقد سجل القرآن الكريم في أكثر من موضع موقف إبراهيم ﵇ من الابتلاءات العديدة التي تعرض لها «٤» . وكان أبرز هذه الابتلاءات أمر الله- ﷿ له بذبح ابنه إسماعيل، يقول الله تعالى: فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ «٥» .
وقد عقب ابن القيم على الابتلاء في هذه القصة فقال: تأمل حال أبينا الثالث إبراهيم ﷺ إمام الحنفاء وشيخ الأنبياء وخليل رب العالمين من بني آدم، وانظر ما آلت إليه محنته وصبره، وبذله نفسه لله، وتأمل كيف آل به بذله لله نفسه، ونصرته دينه، إلى أن اتخذه الله خليلا لنفسه وأمر رسوله محمدا ﷺ أن يتبع ملته. وأنبهك على خصلة واحدة مما أكرمه الله به في محنته بذبح ولده، فإن الله ﵎ لا يتكرم عليه أحد، وهو أكرم الأكرمين، فمن ترك لوجهه أمرا أو فعله لوجهه، بذل الله له أضعاف ما تركه من ذلك الأمر أضعافا مضاعفة، وجازاه بأضعاف ما فعله لأجله أضعافا مضاعفة «٦» .
(١) البخاري- الفتح ٣ (٦٤٦٣)، ومسلم (٢٨١٦)، وانظر أيضا صفة الشكر.
(٢) انظر الأثر رقم (١٠) في صفة الشكر ج ٦ ص ٢٤١٦.
(٣) الأعراف/ ١٧٥- ١٧٦.
(٤) انظر قصة إبراهيم ﵇ والمواضع التي ذكرت فيها في القرآن في قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار، ص ٧٠- ١٠٧.
(٥) الصافات/ ١٠٣- ١٠٦.
(٦) مفتاح دار السعادة (١/ ٣٠٠) .
1 / 25