نبی موسیٰ و تل العمارنہ
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
اصناف
اشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون، إذ باع المصريون كل واحد حقله؛ لأن الجوع اشتد عليهم، فصارت الأرض لفرعون. فقال يوسف للشعب: إني اشتريتكم اليوم وأرضكم لفرعون، فقالوا أحييتنا ليتنا نجد نعمة في عيني سيدي، فنكون عبيدا لفرعون، فجعلها يوسف فرضا على أرض مصر إلى هذا اليوم. (تكوين، 47: 20-26)
ويستدعي يوسف أهله ليقيموا معه في مصر «وسكن إسرائيل في أرض مصر في أرض جاسان وتملكوا فيها وأثمروا وكثروا جدا» (تكوين، 47: 27).
وهذه أسماء بني إسرائيل الذين جاءوا إلى مصر، مع يعقوب جاء كل إنسان وبيته، رأوبين وشمعون ولاوي ويهوذا ويساكر وزبولون وبنيامين ودان ونفتالي وأشير، وكانت جميع نفوس الخارجين من صلب يعقوب سبعين نفسا، ولكن يوسف كان في مصر، ومات يوسف وكل إخواته وجميع ذلك الجيل، وأما بنو إسرائيل فأثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيرا جدا، امتلأت الأرض منهم، «ثم قام ملك جديد على مصر، لم يكن يعرف يوسف » فقال لشعبه: هو ذا بنو إسرائيل شعب أكثر وأعظم منا، هل نحتال لهم لئلا ينموا، فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا، ويحاربوننا ويصعدون من الأرض، فجعلوا عليهم رؤساء تسخير، لكي يذلوهم بأثقالهم، فبنوا لفرعون مدينتي مخازن: فيثوم ورعمسيس. (خروج، 1: 1-11)
وكثيرا ما أثار دهشة الباحثين تعبير التوراة أن السبعين شخصا الذين دخلوا مصر قد صاروا أكثر عددا من المصرين أنفسهم، ويعطي سفر التكوين صورة هائلة لعدد هؤلاء عندما خرجوا من مصر تحت قيادة موسى «فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس إلى سكوت نحو ستمائة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد» (خروج، 12: 37). وبحسبة بسيطة تضع الأولاد والنساء في التعداد سنجد الخارجين لا يقلون بحال عن المليونين من البشر، هذا ناهيك عن زيادة أخرى على هذا لرقم، لأنه «صعد معهم لفيف كثير أيضا.» ولا نعلم من هم هؤلاء اللفيف (سيأتي الحديث عنهم في موضعه من هذا الكتاب)، لكنهم على أية حال كانوا زيادة عددية أخرى.
ويطرح السؤال نفسه: كم قضى هؤلاء من الزمن في مصر، حتى يبلغوا هذا العدد الهائل؟ وتأتينا الإجابة: «وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر، فكانت أربعمائة وثلاثين سنة» (خروج، 12: 40)، لكن الأغرب والأكثر تناقضا في هذه الرواية، أن الإسرائيليين منذ دخولهم أسباطا زمن شقيقهم يوسف إلى زمن خروجهم، لم يستغرقوا سوى أربعة أجيال فقط، حيث تروي التوراة أن لاوي شقيق يوسف أنجب قهات، وأن قهات قد أنجب عمران، وأن عمران قد أنجب موسى، الذي خرج بهم من مصر (خروج، 6: 14-20) «فقط، وهكذا؟! أربعة أجيال عاشت أربعة قرون وثلث القرن، بل وأنجب هؤلاء الأربعة الملايين من البشر!!» لكن في موضع آخر نجد المقدس، يحيطنا علما أن فترة إقامتهم في مصر، لم تتجاوز حياة جيل واحد، وهو لم يصرح بذلك، لكنه ما يفهم مما سجله، ففي سنوات يوسف الأخيرة يشهد يوسف ولادة أولاد أحفاده «وأولاد ماكير بن منسي [ابن يوسف] أيضا ولدوا على ركبتي يوسف» (تكوين، 50: 23) ثم نرى أولاد ماكير أبناء حفيد يوسف (لأن ماكير بن منسي بن يوسف) يخرجون مع موسى من مصر إلى فلسطين (يشوع، 13: 3 و17: 1)، وهو ما يعني أن المدة الفاصلة بين دخول مصر والخروج منها، لم تتجاوز حوالي المائة عام؛ لأن الذين ولدوا في مصر في حياة يوسف، هم من خرجوا من مصر مع موسى، وهم من دخلوا فلسطين مع يشوع خليفة موسى.
وما أكثر المدهشات بالكتاب المقدس، لكن أكثرها إدهاشا ما تعلق منها بقصة موسى، الذي قاد بني إسرائيل في رحلة خروج كبرى عبر سيناء إلى فلسطين، فقد هرب هؤلاء من تسخير وعبودية مصر، «ومعهم مواش وأغنام كثيرة» (خروج، 12: 38)، الأمر الذي يتناقض والأوضاع المعلومة للعبيد.
والفرعون حسب التوراة قد خشي من الكثرة العددية للمستعبدين لديه، وسخرهم في بناء مدينتيه الكبيرتين؛ فيثوم أو بالمصرية بي توم، أي مقر الإله آتوم، ورعمسيس/مدينة رمسيس؛ لذلك أمر الفرعون بقتل من يولد لبني إسرائيل من الذكور «كل ابن يولد تطرحونه في النهر، لكن كل بنت تستحيونها» (خروج، 1: 22). وفي هذا الظرف العصيب ...
ذهب رجل من بيت لاوي وأخذ بنت لاوي، فحبلت المرأة وولدت ابنا، ولما رأته أنه حسن خبأته ثلاثة أشهر، ولما لم يمكنها أن تخبئه بعد، أخذت له سفطا من البردي وطلته بالحمر والزفت، ووضعت الولد فيه ووضعته بين الحلفاء على حافة النهر، ووقفت أخته من بعيد لتعرف ماذا يفعل به؟ فنزلت ابنة فرعون إلى النهر لتغتسل، وكانت جواريها ماشيات على جانب النهر، فرأت السفط بين الحلفاء فأرسلت أمتها وأخذته، ولما فتحته رأت الولد وإذا هو صبي يبكي فرقت له وقالت: هذا من أولاد العبرانيين، فقالت اخته لابنة فرعون هل أذهب وأدعو لك امرأة مرضعة من العبرانيات لترضع لك الولد؟ فقالت لها ابنة فرعون: اذهبي. فذهبت الفتاة ودعت أم الولد، فقالت لها ابنة فرعون: اذهبي بهذا الولد وأرضعيه لي، وأنا أعطيك أجرتك، فأخذت المرأة الولد وأرضعته، ولما كبر الولد جاءت به إلى ابنة الفرعون فصار لها ابنا، ودعت اسمه موسى وقالت: إني انتشلته من الماء. (خروج، 2: 1-10)
لكن موسى حسب رواية التوراة بعدما يفع واجتاز مرحلة الصبا إلى الرجولة لم ينس أصله رغم أنه قد أصبح أحد نبلاء البلاط، فقتل مصريا انتصارا لإسرائيلي، فطلبه القصاص القانوني، فهرب من مصر إلى مكان تصفه التوراة بأنه: «أرض مديان» (خروج، 2: 15) ويبدو أنها كانت أرضا صحراوية؛ لأن موسى عندما ذهب هناك «جلس عند البئر» (خروج، 2: 15) ويبدو أنها كانت قرب مخرج مصر، حيث لا تفاصيل بالتوراة، عن رحلة طويلة لموسى؛ مما يعني أن المديانيين كانوا ينتشرون في سيناء، حتى حدود مصر الشرقية مع سيناء.
والتقى موسى ببعض غيد مديان عند البئر، فاستقى لهن بشهامة، فذهبن وأخبرن أباهن «فقلن رجل مصري أنقذنا من أيدي الرعاة، وأنه استقى لنا» (خروج، 2: 19)، ولحسن حظ موسى كان أبوهن كبيرا من وجهاء مديان، فهو «رعوئيل» أو «يثرون» سيد وكبير كهنة مديان، وتنتهي أحداث هذا الجزء بالحدث السعيد، ويتزوج موسى من صفورة بنت يثرون، وينجب منها ولدين هما جرشوم وألعازر.
نامعلوم صفحہ