نبی موسیٰ و تل العمارنہ
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
اصناف
الفصل الأول
قبل زمن الخروج
علاقة القبيلة الإسرائيلية ببلاد مصر، علاقة وطيدة تلمسها بطول الكتاب المقدس (العهد القديم) وعرضه، هناك مصر دوما وباستمرار، ويحكي المقدس التوراتي أن أول علاقة للقبيلة العبرية بمصر، قد حدثت في زمن أول البطاركة وأبيهم، ذلك الذي عرفه التاريخ باسم أبي الكثرة أو أبي الرهام أو إبراهيم، كناية عن وصف الكتاب المقدس لنسله الآتي، بأنه سيكون في الكثرة العددية كرمال الصحراء ومياه البحر، رغم أنه لم ينجب إلا بعد أن بلغ من عمره عتيا.
ولنبدأ الحكاية التوراتية من البداية ...
يأتي البطرك إبراهيم إلى فلسطين غريبا من بلاد بعيدة، يقول المقدس مرة إنها أور الكلدانيين، ومرة إنها بلاد حاران داخل الحدود التركية الآن شمالي بلاد الشام الأقصى، وقد انتهينا في كتابنا النبي إبراهيم والتاريخ المجهول إلى قدومه من منطقة أرمينيا الحالية، وأن وصف التوراة لسلف القبيلة الإسرائيلية بأنه كان أراميا «أراميا تائها كان أبي.» كان يعني بلاد أرمينيا الحالية تحديدا.
وعند وصول إبراهيم إلى فلسطين، كان يعيش إلى جوار أهلها الكنعانيين أقوام أخر، منهم الفلسطينيون القادمون من جزر البحر المتوسط، والحيثيون القادمون من تركيا، مع عدد آخر من العروق البشرية دونتها التوراة بتكرار مفصل.
ومن البداية تظهر مصر في تاريخ التوراة، فتحكي التوراة أنه قد حدثت في فلسطين مواسم من الجفاف، دفعت بإبراهيم لنزول مصر هربا من المجاعة. والغريب أن إبراهيم في تلك الرحلة يتمكن من الاقتراب من القصر الملكي المصري، عن طريق ملاحة زوجته سارة وجمالها، ثم يخرج من مصر بأموال جزيلة، أهداها له الفرعون. «لكن المقدس لا يعلمنا بمن كان هذا الفرعون؟ ولا باسمه؟ ولا في أي مدينة كان يعيش؟ ولا السر وراء اهتمامه بهذا الراعي البسيط؟ سوى حكاية سارة غير المقبولة بذوقنا القيمي اليوم، وإن كان المفسرون يرون تلك الروايات، دلالة صدق الكتاب المقدس بسرده سقطات الآباء القيمية.»
ويعود إبراهيم إلى فلسطين ثريا موسرا، يعيش جنوبها ينتقل بين مدائن الجنوب أو النقب، يعيش حياة البداوة في الخيام مع سوائمه، التي ترعى وتتحرك ويتحرك معها وراء الكلأ.
وينجب إبراهيم من سريته المصرية هاجر ولده إسماعيل، لكن السياسة الأيديولوجية التأسيسية للكتاب المقدس، تستبعد إسماعيل من التركة المقدسة؛ لأن إبراهيم قد أنجب بعده ولدا حرا من زوجته سارة هو إسحاق، وينجب إسحاق: عيسو ويعقوب، ومرة أخرى تتم التصفية والغربلة، فيستبعد عيسو السلف البعيد للشعب الآدومي، ليبقى يعقوب وحده في المصفاة، ويحمل يعقوب اسم إسرائيل في شبابه، وينجب اثنى عشر ولدا أو سبطا، ومع الأسباط يعود ذكر مصر مرة أخرى، فقد حنق الأسباط المكرمون على أخيهم الحلوم الصغير يوسف، لما تميز به عند أبيه يعقوب من حظوة، ومن هنا يتآمرون على الصغير المليح، ويلقونه في بئر جافة، فتلتقطه قافلة تجار، وتبيعه في مصر ... وفي مصر يشتريه «فوطي فار» رئيس الجند أو «... رئيس الشرط»، وهو اسم مصري قح «بادي بارع» أي «من يعطيه رع»، و«رع» هو رب الشمس المصري ورب الدولة.
ويرتفع شأن يوسف في مصر زمن مجاعة، نجت منها مصر بالحكمة اليوسفية، ويرتقي سدة الوزارة العظمى آنذاك، وهي وزارة الخزانة أو المالية، وكان توليه شئون مصر الاقتصادية، مدعاة لدخول متغيرات جوهرية، على أنظمة مصر الاقتصادية، ومن ثم الاجتماعية، فبعد أن كان الناس يعيشون أحرارا يملكون أرضهم، ويتعبدون لمن شاءوا بين مئات الآلهة، ليس لملكهم عليهم سوى سلطان مركزية الدولة ومصالحها، يقول المقدس:
نامعلوم صفحہ